للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القسم الثاني: ابتداء الغضب، لكن يعقل ما يقول، ويقدر يمنع نفسه، فهذا يقع طلاقه؛ لأنه صدر الطلاق من شخص يعقله غير مُغْلَق عليه، فيقع الطلاق، وكثيرًا ما يكون الطلاق في الغالب نتيجة للغضب، وهذا مُتَّفَق على أنه يقع الطلاق منه.

القسم الثالث: بَيْنَ بَيْنَ، إنسان يدري أنه بالأرض، ويدري أنه نطق بالطلاق، لكن مغصوبًا عليه، يعني لقوة الغضب عجز يملك نفسه؛ لأنه ليس بشديد، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيْسَ الشَّدِيدُ باِلصُّرَعَةِ»، يعني: الذي يصرع الناس، «وَإِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ» (٤)، هذا يدري ما يقول ويعي ما يقول، ويدري أنه يخاطب امرأته وأنه يطلقها، لكن الغضب سيطر عليه، كأنه يغصبه غصبًا أن يطلّق، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم.

فمنهم من قال: إن طلاقه يقع؛ لأن له قصدًا صحيحًا، وهو يشعر بما يقول، ويشعر بالمرأة التي أوقع عليها الطلاق، فلا عذر له.

ومنهم من قال: إنه لا طلاق عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ» (٥)، وهذا لا شك أنه مُغْلَق عليه، يعني كأن أحدًا حَدَّه وعَصَرَه حتى طَلَّق، وعلى هذا فيكون الطلاق غير واقع، وهذا هو الصحيح، وهو اختيار ابن القيم في كتاب إغاثة اللهفان، إغاثة اللهفان هذا غير الكتاب الكبير المعروف، الرسالة الصغيرة سماها إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان، وذكر له ستة وعشرين وجهًا تدل على عدم وقوعه، وتعرفون ابن القيم رحمه الله نفسُه طويل، وهذا هو الأصح، ويدل عليه الحديث الذي أشرنا إليه أن هذا مُغْلَق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>