للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يستثبت من هذا الرجل ويتأكد منه، وهل هو يَعْرِف الزنى أو لا يعرفه، فلا بد من أن يُصَرِّح بذكر حقيقة الوطء.

والدليل هو ما سمعتم؛ أن الرسول صَرَّح لماعز بذلك.

وأما التعليل فظاهر؛ لأنه ربما يظن ما ليس زنًى زنًى موجبًا للحِد، فاشتُرِطَ فيه التصريح.

الشرط الثالث للإقرار: (ألَّا ينزع عن إقراره حتى يتم عليه الحد).

(لا ينزع)، يعني: لا يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد.

فإن رجع عن إقراره حَرُم إقامة الحد عليه، حتى ولو كان في أثناء الحد، قال إنه ما زنى، ما زنى، يجب أن يُرْفَع عنه الحد، حتى لو كتب الإقرار بيده أربع مرات ورجع فإنه يُقْبَل رجوعه، ولا يجوز أن يُقَام عليه الحد، وحينئذ نحتاج إلى الدليل لهذه المسألة.

الدليل هو أن ماعز بن مالك -رضي الله عنه- لما بدؤوا يرجمونه وأَذْلَقَتْهُ الحجارة، وذاق مَسَّهَا هرب، حتى أدركوه فأَتَمُّوا رجمه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما علم بهذا: «هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ؟ ». (٨)

قال أهل العلم: وهذا دليل على جواز رجوع الْمُقِرّ، وأنه إذا رجع عن إقراره حَرُم إقامة الحد عليه، حتى ولو كان قد شُرِعَ في ذلك، وحتى لو أنه لُقِّن أن يرجع ورجع فإنه يُتْرَك ولا يقام عليه الحد، هذا دليل.

الدليل الثاني؛ قالوا: إن هذا هو ما قضى به الخلفاء الراشدون -رضي الله عنهم- ومعلوم أن للخلفاء الراشدين سُنَّة مُتَّبَعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» (٩)، فإذا قضوا بأن رجوع الْمُقِرّ عن الإقرار مُوجِب لرفع الحد عنه وجب علينا ألّا نقيم عليه الحد، وحرُم علينا إقامة الحد.

ثالثًا: قالوا: إن المعنى يقتضي رفع الحد عنه؛ لأنه إذا رجع وقال: إنه لم يَزْنِ، فكيف نقيم الحد على رجل يقول ويصرخ بأعلى صوته: إنه لم يَزْنِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>