للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذه المسألة تخفى على كثير من الناس، يظنون أنك إذا كرهت المنكر بقلبك فاجلس مع أهله، وهذا خطأ؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}، اتلوا الآية: {إِنَّكُمْ إِذًا} يعني: إن قعدتم {مَثَلُهُمْ} [النساء: ١٤٠] فالمنكِر بالقلب ما يقعد، هل يُعقَل إنسان يكره الشيء يجلس عند من يفعله؟ ما يعقل أبدًا.

هذه ثلاثة أمور؛ دعوة، وأمر، وتغيير، تشتبه على بعض طلبة العلم، يظنون أنها واحد، ولكنها مختلفة؛ الدعوة عرض وترغيب وترهيب.

الأمر: توجيه أمر، طلب الفعل، أو الكف على وجه الاستعلاء.

التغيير: مباشرة إزالة المنكر، تباشرها أنت بيدك.

فبينهما فرق يجب على طالب العلم أن يعرفه؛ حتى لا تختلط عليه الأشياء.

***

( ... ) كالحضانة بالنسبة للطفل، فعلى الإمام أن يكون قائمًا بالسياسة، وهي -أي السياسة- سلوك كل ما يصلح به الخلق، وهي إما داخلية، وإما خارجية؛ أما الداخلية فأن يسوس رعيته بالعدل واجتناب الجور، والعمل بالقرائن والبينات، وغير ذلك، المهم أن يسوس رعيته بالعدل، فمثلًا لا يُفَرِّق بين القريب والبعيد، والغني والفقير، والشريف والوضيع، وما أشبه ذلك، إلا إذا اقتضت المصلحة أن يعفو مثلًا عن رجل له شرف وجاه، وهذا في غير الحدود، وأن يقيم التعزير على آخر مجرم يعتدي على الناس دائمًا، ولا ينفع فيه أن يَمُنَّ عليه بالعفو؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠].

والسياسة انقسم الخلفاء فيها إلى ثلاثة أقسام:

قسم أخذ بسياسة الجور، وكان كلما طرأ على نفسه أن هذا مما يصلح الناس عمل به ولو خالف الشرع؛ مثل أئمة الجور الذين يعتدون على الناس بالضرب والحبس في أمور بسيطة لا يجيز الشرع أن يُعَزَّر فيها بهذا التعزير.

<<  <  ج: ص:  >  >>