للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا النذْرُ المقيَّد في الكعبةِ فيصِحُّ فيها؛ مثل أن يقول: لله علي نذْرٌ أن أصلِّي ركعتينِ في الكعبة. فتصِحُّ الصلاةُ هذه في الكعبةِ قولًا واحدًا؛ لأنه نَذَرَها نذْرًا مقيَّدًا بماذا؟ في الكعبة، فيكون على حَسَب ما نَذَر؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ».

نرجعُ إلى القول الثاني في مسألة الفريضةِ؛ القول الثاني في المسألة: أن الفريضةَ تصِحُّ في الكعبة كما تصِحُّ النافلةُ، والحديثُ الذي استدَلَّ به من استدَلَّ؛ حديثُ ابنِ عُمَرَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أن يُصلَّي في سبعة مواطن ذكر منها: فوقَ ظَهْر بيتِ الله (١٤)، هذا الحديث ضعيفٌ لا تقوم به حُجَّة. فقالوا: إن الفريضة تصِحُّ كالنافلة، واستدلُّوا لذلك بأنَّ الأصل تَساوِي الفرض والنفل في جميع الأحكام إلا بدليلٍ، هذا هو الأصل، فكلُّ ما ثَبَتَ في النفل ثَبَتَ في الفرض، وكلُّ ما انتفى في النفل انتفى في الفرض، إلا بدليلٍ.

واستدلُّوا على هذا الأصلِ -وهو أن الأصلَ تَساوِي الفرض والنفل- استدلُّوا لذلك بأن الصحابة لما ذَكَروا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي على راحِلَته حيثما توجَّهتْ به، قالوا: غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة (١٥)، فاستثْنَوا؛ غير أنَّه لا يُصلِّي عليها المكتوبة، وهذا يدلُّ على أنهم لو لم يستثنوا لكانت المكتوبةُ كالنافلة تُصلَّى على الراحلة، فهذا دليلٌ على أن الأصل تَساوِي الأحكام بين الفرائض والنوافل، وما استُدِلَّ به من الحديث ضعيفٌ ومن التعليلِ أيضًا ضعيفٌ؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وشطْرُه بمعنى جهته، وهذا يشمل استقبالَ جميعِ الكعبةِ أو جزءٍ منها، كما فسَّرتْ ذلك السُّنَّةُ بصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكعبة.

إذَنْ فالصحيحُ في هذه المسألةِ أن الصلاةَ في الكعبةِ صحيحةٌ فرضًا ونفلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>