للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ولذلك تصحُّ لو صلَّى على جَبَلٍ أعلى من الكعبة كما لو صلَّى على جَبَلِ أبي قُبَيْسٍ -الجبل الذي في أسفله الصفا- لو صلَّى فلا شكَّ أن الكعبة تحتَه ليس بين يديه شاخصٌ منها، ومع ذلك تصحُّ بالاتفاق، فكذلك إذا صلَّى في جوفِ الكعبةِ لا يُشترَطُ أن يكون بين يديه شاخصٌ منها.

ولكن هذا القياس فيه نَظَرٌ؛ لأن المصلِّي إلى الكعبة في مكانٍ أعلى يشاهِدُ شيئًا شاخصًا بين يديه وإن كان غير مُسامِتٍ له -يعني: غير محاذٍ له- فلا يصحُّ القياسُ، بخلافِ الإنسان الذي ليس بين يديه شيءٌ أبدًا، هو الآن في نفس الكعبة وليس بين يديه شيء، فهذا فرقٌ بين هذا وهذا.

ولا شكَّ أن الاحتياط أن يكون بين يديه شيءٌ شاخصٌ منها، لكنْ لو أنَّ الإنسان صلَّى وجاء يستفتي لا نستطيع أن نقول: إن صلاتَك غيرُ صحيحة. إنما نأمره قبلَ أن يُصلِّي ألا يُصلِّي إلا إلى شيءٍ شاخصٍ منها، ولهذا لَمَّا هُدِمَت الكعبةُ في عهد ابن الزبير بَنَى أخشابًا من أجْل أن يُصَلِّي الناسُ إليها، قال شيخ الإسلام: وهذا دليلٌ على أنه لا بدَّ أن يكون هناك شاخصٌ يصلَّى إليه.

***

ثم قال المؤلف رحمه الله: (ومنها) أي: من شروط الصلاة (استقبالُ القِبلة).

من شروط الصلاة استقبالُ القِبلة، والمرادُ بالقِبلة: الكعبة، وسُمِّيَتْ قِبْلةً لأنَّ الناسَ يستقبلونها بوجوههم ويَؤُمُّونها ويقصدونها، وكانتْ من شروط الصلاة بدلالة الكتاب والسُّنة:

أمَّا الكتاب فقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٥٠].

وأما السُّنة فكثيرةٌ في هذا؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم للمُسيءِ في صلاته قال له: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلةَ فَكَبِّرْ» (١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>