للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجمعَ المسلمون على وجوبِ استقبالِ القِبْلة في الصلاة، فدلَّ على وجوبها الكتابُ والسُّنةُ والإجماعُ.

والحكمة من ذلك هي أن يتَّجِهَ الإنسانُ ببَدَنِه إلى مُعَظَّمٍ بأمْرِ اللهِ وهو البيتُ، كما يتَّجِهُ بقلْبه إلى ربِّه في السماء، فهُنا اتجاهان: اتجاهٌ قلْبِيٌّ، واتجاهٌ بَدَنِيٌّ؛ الاتجاهُ القَلْبِيُّ إلى الله عز وجل، والاتجاهُ البَدَنِيُّ إلى بيتِهِ الذي أَمَرَنا بالاتجاه إليه وتعظيمه.

ولا ريبَ أن في إيجاب استقبالِ القِبْلة من مظْهرِ اجتماعِ الأمَّةِ الإسلاميةِ ما لا يخفى على الناس، لولا هذا لكان الناسُ يصلُّون في مسجدٍ واحدٍ أحدهم يصلِّي إلى الجنوب، والثاني إلى الشَّمال، والثالث إلى الشرقِ، والرابع إلى الغرب، لكنْ إذا كانوا إلى اتجاهٍ واحدٍ صار ذلك من أكبر أسباب الائتلاف، أليس كذلك؟

ما ظنُّكم لو أن الناس يتَّجهون إلى ما شاؤوا، كم قِبلةً تكون لنا في هذا المسجد؟ أربعُ قِبَل، كلُّ واحدٍ له قِبْلة، وتتعذَّر الصفوف في الجماعة، لكنْ من الحِكْمة أن الله أوجب على المسلمين أن يتَّجهوا اتجاهًا واحدًا إلى الكعبة.

الاتجاه إلى الكعبة قلنا: إنه شرطٌ من شروط صحة الصلاة، والحكمة في وجوبه ظاهرةٌ، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام في مكَّةَ يصلِّي إلى بيت المقدس، لكن الكعبة بَيْنَه وبَيْنَ بيتِ المقدس، فأين يقع مكانُه من المسجد؟

طالب: من جهة جنوب الركن اليماني.

الشيخ: إي، بين الركن اليماني والْحَجَر الأسود؛ لتكون الكعبةُ بينه وبين بيت المقدس.

ولَمَّا هاجر إلى المدينةِ بَقِيَ بأمْر الله عز وجل يصلِّي إلى بيت المقدس ستةَ عَشَرَ شهرًا وبعضَ السابع عَشَر، ثم بعد ذلك أُمِر بالتوجُّه إلى الكعبة.

يقول المؤلف: (فلا تَصِحُّ بدونه). (فلا تَصِحُّ) أي: الصلاةُ بدون استقبالِ القِبلة، ووجْهُ ذلك أنه شرطٌ، والقاعدة أنه إذا تخلَّفَ الشرطُ تخلَّفَ المشروطُ، فلا تصحُّ الصلاةُ بدونه لهذه العِلَّة.

<<  <  ج: ص:  >  >>