قلنا: هذا -الحقيقة- مِن غرائبِ التخصيصات؛ لأنه قرآنٌ خُصَّ بسُنَّةٍ، وقولٌ خُصَّ بفِعْلٍ؛ يعني لم يقُل الرسول عليه الصلاة والسلام: من تنفَّل في السفر فلا يستقبلْ، حتى نقول: إنه خُصَّ بقولٍ، بلْ نقولُ: هو قولٌ خُصَّ بفِعْلٍ، وقرآنٌ خُصَّ بسُنَّةٍ، ومعلومٌ أن تخصيص القول بالفعل أضعفُ من تخصيص القولِ بالقولِ، صحيح؟
وأيضًا: تخصيصُ قرآنٍ بسُنَّةٍ أضعفُ من تخصيص قرآنٍ بقرآنٍ.
ولكنْ نقول: إن السُّنَّةَ تقعُ من الرسول عليه الصلاة والسلام بأمْرِ الله الصريحِ أو بأمْرِه الْحُكْميِّ الذي يُقِرُّ سبحانه وتعالى نبيَّه على ما قال أو على ما فَعَل، ولهذا إذا فَعَل الرسولُ عليه الصلاة والسلام شيئًا لا يُقِرُّه اللهُ عليه بيَّنه؛ قال الله تعالى له:{عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}[التوبة: ٤٣]، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}[التحريم: ١]، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[الأحزاب: ٣٧]، فالله عز وجل لو أنَّ رسوله فَعَل فعلًا لا يريده شرعًا لَبَيَّنهُ سبحانه وتعالى.
فإذَنْ نقول: إنَّ فِعْل الرسولِ عليه الصلاة والسلام في تَرْكِ استقبالِ القِبْلة في التنفُّل في السفر كان بأيش؟ بأمْر اللهِ الْحُكْميِّ أو القوليِّ؟ الْحُكْمي؛ لأنه أَقَرَّه، فيكون ما جاءتْ به السُّنَّةُ كالذي جاء به القرآنُ تمامًا في أنه حُجَّةٌ.