سبحان من أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وبين له من الشعائر الشرائع كلِّ ما جلَّ ودقَّ أنزل عليه أظهر بينات وأبهر حجج قرآنا عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِى عِوَجٍ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتاب ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ناطقاً بكلِّ أمرٍ رشيدٍ هاديا إلى الصراط العزيز الحميد آمرا بعبادة الصمد المعبود كتابا متشابها مثاني تقشعر منه الجلود تكاد الرواسي لهيبته تمور ويذوب منه الحديد ويميع صم الصخور حقيقا بأن يسير به الجبال وييسر به كل صعب محال معجزا أفحم كل مصقع من مهرة قحطان وبكت كل مفلق من سحرة البيان بحيث لو اجتمعتِ الإنسُ والجن على معارضته ومباراته لعجزُوا عن الإتيان بمثل آيه من آياته نزل عليه على فترة من الرسل ليرشد الأمة إلى أقوم السبل فهداهم إلى الحق وهم في ضلال مبين فاضمحل دجى الباطل وسطع نور اليقين فمن أتبع هداه فقد فاز بمناه وأما من عانده وعصاه وإتخذ إلهه هواه فقد هام في موامي الردى وتردى في مهاوي الزور وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله له نورا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ صلى الله عليه وعلى آله الأخيار وصحبه الأبرار ما تناوبت الأنواء وتعاقبت الظلم والأضواء وعلى من تبعهم بإحسان مدى الدهور والأزمان
وبعد فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربه الهادي أبو السعود محمد بن محمد العمادي إن الغاية القصوى من تحرير نسخة العالم وما كان حرف منها مسطورا والحكمة الكبرى في تخمير طينة آدم ولم يكن شيئا مذكورا ليست إلا معرفة الصانع المجيد وعبادة البارئ المبدئ المعيد ولا سبيل إلى ذاك المطلب الجليل سوى الوقوف على مواقف التنزيل فإنه عز سلطانه وبهر برهانه وإن سطر آيات قدرته في صحائف الأكوان ونصب رايات وحدته في صفائح الأعراض والأعيان وجعل كلُّ ذرةٍ من ذرات العالم وكل قطرة من قطرات العلم وكل نقطة جرى عليها قلم الإبداع وكل حرف رقم في لوح الإختراع مرآة لمشاهدة جماله ومطالعة صفات كماله حجَّةٌ نيِّرةٌ واضحة المكنونِ وآيةٌ بيِّنة لقومٍ يعقلون برهانا جليا لاريب فيه ومنهاجا سويا لا يضِلّ من ينتحيه بل ناطقا يتلو آيات ربه فهل من سامع واعٍ ومجيب صادق فهل له من داعٍ يكلم الناسَ على قدر عقولِهم ويرُدّ جوابَهم بحسب مقولِهم يحاور تارة بأوضح عبارةٍ ويلوّح أخرى