(الر) مر الكلامُ فيه وفي محله غيرَ مرَّةٍ وقوله تعالى (كِتَابٌ) خبرٌ له على تقدير كون آلر مبتدأً أو لمبتدإٍ مضمرٍ على تقدير كونِه خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ أو مسروداً على نمطِ التعديدِ ويجوز أن يكون خبراً ثانياً لهذا المبتدأ المحذوف وقولُه تعالى {أنزلناه إِلَيْكَ} صفة له وقوله تعالى {لِتُخْرِجَ الناس} متعلقٌ بأنزلناه أي لتخرجَهم كافةً بَما فِي تضاعيفِه من البينات الواضحة المفصحةِ عن كونه من عندِ الله عزَّ وجل الكاشفةِ عن العقائد الحقةِ وقرىء ليخرِج الناسَ (مِنَ الظلمات) أي ليُخرج به الناسَ من عقائد الكفر والضلال التي كلُّها ظلماتٌ محضةٌ وجهالاتٌ صِرْفة (إِلَى النور) إلى الحقِّ الذي هو نورٌ بحتٌ لكن لا كيفما كان فإنك لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ بل (بِإِذْنِ رَبّهِمْ) أي بتيسيره وتوفيقِه وللإنباء عن كون ذلك منوطاً بإقبالهم إلى الحق كما يفصحُ عنه قولُه تعالى وَيَهْدِى إِلَيْهِ مَن أناب لستعير له الإذنُ الذي هو عبارةٌ عن تسهيل الحجابِ لمن يقصِد الورودَ وأضيف إلى ضميرهم اسمُ الربِّ المفصحِ عن التربية التي هي عبارةٌ عن تبليغُ الشيءِ إلى كماله المتوجّه إليه وشمولُ الإذن بهذا المعنى للكل واضحٌ وعليه يدور كونُ الإنزال لإخراجهم جميعاً وعدمُ تحققِ الإذن بالفعل في بعضهم لعدم تحققِ شرطِه المستند إلى سوء اختيارِهم غيرُ مخلٍ بذلك والياء متعلقةٌ بتخرج أو بمُضْمَرٍ وقعَ حالاً مِنْ مفعوله أيْ ملتبسينَ بإذنِ ربِّهم وجعله حالاً من فاعله يأباه إضافةُ الربِّ إليهم لا إليه وحيث كان الحقُّ مع وضوحه في نفسه وإيضاحه لغيره موصلاً إلى الله عزَّ وجلَّ استُعير له النورُ تارة والصراطُ أخرى فقيل (إلى صِرَاطِ العزيز الحميد) على وجه الإبدالِ بتكرير العامل كما في قوله تعالى للذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُمْ وإخلالُ البدل والبيانِ بالاستعارة إنما هو في الحقيقة لا في المجاز كما في قوله سبحانه حتى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخيط الابيض مِنَ الخيط الاسود مِنَ الفجر وقيل هو استئناف مبني على سؤال كأنه قيل إلى أي نور فقيل إلى صراط العزيز الحميد وإضافةُ الصراط إليه تعالى لأنه مقصِدُه أو المبينُ له وتخصيصُ الوصفين بالذكر للترغيب في سلوكه ببيان ما فيه من الأمن والعاقبةِ الحميدة