{إذ قالت امرأة عمران} في حيِّز النصبِ على المفعولية بفعل مقدَّرٍ على طريقة الاستئنافِ لتقرير اصطفاءِ آلِ عمرانَ وبيانِ كيفيته أي أذكُر لهم وقت قولها ومر مراراً وجهُ توجيهِ التذكيرِ إلى الأوقات مع أن المقصودَ تذكيرُ ما وقع فيها من الحوادث وقيلَ هو منصوبٌ على الظرفية لما قبله أي سميع لقولها المحكيِّ عليمٌ بضميرها المَنْويّ وقيل هو ظرفٌ لمعنى الاصطفاء المدلول عليه باصطفى المذكور كأنه قيل واصطفى آلَ عمران إذ قالت الخ فكان من عطف الجُمل على الجمل دون عطفِ المفردات على المفردات ليلزَمَ كونُ اصطفاءِ الكلِّ في ذلك الوقت وامرأةُ عمرانَ هي حنّةُ بنتُ فاقوذا جدةُ عيسى عليه الصلاة والسلام وكانت لعِمرانَ بنِ يَصْهرَ بنت اسهما مريمُ أكبرُ من موسى وهرون عليهما الصلاة والسلام فظن أن المراد زوجتُه وليس بذاك فإن قضيةَ كفالةِ زكريا عليه الصلاة والسلام قاضيةٌ بأنها زوجةُ عمرانَ بن ماثان لأنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان معاصراً له وقد تزوج إيشاع أختَ حنة أم يحيى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وَأَمَّا قوله عليه الصلاة والسلام في شأن يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام هما ابنا خالة فقيل تأويلُه أن الأختَ كثيراً ما تُطلق على بنت الأخت وبهذا الاعتبار جعلهما عليهما الصلاة والسلام ابنيْ خالة وقيل كانت إيشاعُ أختَ حنةَ من الأم وأختَ مريمَ من الأب على أن عمرانَ نكحَ أولاً أمَّ حنة فولدت له إيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائبِ في شريعتهم فولدَتْ مريمَ فكانت إيشاعُ أختَ مريمَ من الأب وخالتَها من الأم لأنها أخت حنة من الأم روي أنها كانت عجوزاً عاقراً فبينما هي ذاتَ يوم في ظل شجرة إذ رأت طائراً يُطعم فرخة خنت إلى الولد وتمنتْه وقالت اللهم إن لك عليَّ نذر إن رَزقتني ولداً أن أتصدق به على بيت المقدس فيكونَ من سَدَنته وكان هذا النذرُ مشروعاً عندهم في الغلمان ثم هلك عِمرانُ وهي حامل وحينئذ فقولها
{رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} لا بد من حمله على التكرير لتأكيد نذرِها وإخراجِه عن صورة التعليق إلى هيئة التنجيز والتعرضُ لوصفِ الربوبيةِ المنبئةِ عن إفاضة ما فيه صلاحُ المربوبِ مع الإضافة إلى ضميرها لتحريك سلسلة الإجابة ولذلك قيل إذا أراد العبدُ أن يُستجابَ له دعاؤه فليدعُ الله بما يناسبه من أسمائه وصفاته وتأكيدا الجملة لإبراز وفورِ الرغبة في مضمونها وتقديمُ الجارّ والمجرور لكمال الاعتناءِ به وإنما عُبّر عن الولد بما لإبهام أمرِه وقصورِه عن درجه العقلاء
{مُحَرَّرًا} أي مُعْتقاً لخدمة بيتِ المقدس لايشغله شأن آخر أو مُخلَصاً للعبادة ونصبُه