{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى} بيانٌ للعنايةِ الربَّانيةِ إثرَ بيانِ إهلاكِ القُرى المذكورةِ أي وما صحَّ وما استقامَ بل استحال في سنَّته المبنيةِ على الحكمِ البالغةِ أو ما كان في حكمِه الماضِي وقضائِه السَّابق أنْ يُهلكَ القرى قبلَ الإنذارِ بل كانتْ عادتُه أنْ لا يهلكَها {حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا} أي في أصلِها وقُصبتِها التي هي أعمالُها وتوابعُها لكون أهلِها أفطنَ وأنبلَ {رسولا يتلو عليهم آياتنا} الناطقةَ بالحقِّ ويدعُوهم إليه بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ وذلك لإلزام الحجَّة وقطع المعذرةِ بأنْ يقولوا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبعَ آياتِك والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لتربيةِ المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى} عطفٌ على ما كانَ ربُّك وقولُه تعالى {إِلَاّ وَأَهْلُهَا ظالمون} استثناءٌ مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنَّا مهلكينَ لأهلِ القُرى بعد ما بعثنا في أمِّها رسولاً يدعُوهم إلى الحقِّ ويُرشدهم إليه في حالٍ من الأحوالِ إلا حال كونهم ظالمينَ بتكذيبِ رسولِنا والكفرِ بآياتِنا فالبعثُ غايةٌ لعدمِ صحَّة الإهلاكِ بموجبِ السنَّة الإلهية لا لعدمِ وقوعِه حتَّى يلزمَ تحققُ الإهلاكِ عقيبَ البعثِ وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ بني إسرائيلَ