{يَا أيُّهَا الذينَ آمَنُواْ} تكريرُ النداء مع وصفهم بنعت الإيمانِ لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يردُ بعدَه من الأوامر وتنببههم على أنَّ فيهمْ ما يوجبُ ذلك ٢
{استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} بحسن الطاعة
{إِذَا دَعَاكُمْ} أي الرسولُ إذ هو المباشرُ لدعوة الله تعالى
{لِمَا يُحْيِيكُمْ} من العلوم الدينيةِ التي هي مناطُ الحياة الأبدية كما أن الجهَل مدارُ الموتِ الحقيقيِّ أو هي ماءُ حياةِ القلبِ كما أن الجهلَ موجبٌ موتَه وقيل لمجاهدة الكفارِ لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم كما في قوله تعالى وَلَكُمْ فِي القصاص حياة
روي أنه صلى الله عليه وسلم مر على أُبيَّ بن كعب وهو يصلي فدعاه فعجّل في صلاته ثم جاء فقال صلى الله عليه وسلم ما منعك من إجابتي قال كنت في الصلاة قال ألم تخبَرْ فيما أوحِيَ إلي استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ الخ واختلف فيه فقيل هذا من خصائص دعائه صلى الله عليه وسلم وقيل لأن إجابته صلى الله عليه وسلم لا تقطع الصلاةَ وقيل كان ذلك الدعاءُ لأمر مهمَ لا يحتمل التأخيرَ وللمصلي أن يقطع الصلاةَ لمثله
{واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} تمثيلٌ لغاية قربِه تعالى من العبد كقوله تعالى وَنَحْنُ أقربُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد وتنبيهٌ على أنه تعالى مطلعٌ من مكنونات القلوب على ما عسى يغفُل عنه صاحبُها أو حثٌّ على المبادرة إلى إخلاص القلوبِ وتصفيتِها قبل إدراك المنيةِ فإنها حائلةٌ بين المرء وقلبِه أو تصويرٌ وتخييلٌ لتملّكه على العبد قلبَه بحيث يفسخ عزائمهُ ويغيّر نياتِه ومقاصدَه ويحول بينه وبين الكفر إن إراد سعادتَه ويبدله بالأمن خوفاً وبالذكر نسياناً وما أشبه ذلك من الأمور المعترضةِ المفوتةِ للفرصة وقرىء بين المرِّ بتشديد الراء على حذف الهمزةِ وإلقاءِ حركتِها على الراء وإجراء الوصل مجرى الوقف وأنه أي الله عزَّ وجلَّ أو الشأن إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتبِ أعمالِكم فسارعوا إلى طاعته تعالى وطاعةِ رسولِه وبالغوا في الاستجابة لهما