(سَرَابِيلُهُم) أي قُمصانهم (مّن قَطِرَانٍ) جملةٌ من مبتدإٍ وخبر محلُّها النصبُ عَلى الحاليةِ من المجرمين أو من ضميرِهم في مقرنين رابطتها الضمير فقط كما في كلمتُه فوه إلى فيَّ أو مستأنفة والقطران ما يتحلب من الإبهل فيطبخ فتُهنَأُ به الإبلُ الجربى فيحرق الجرَبَ بما فيه من الحِدّة الشديدة وقد تصل حرارتُه إلى الجوف وهو أسودُ منتِنٌ يسرع فيه اشتعالُ النار يطلى به جلودُ أهل النار حتى يعودَ طلاؤُه لهم كالسراويل ليجتمع عليهم الألوانُ الأربعة من العذاب لذعُه وحرقتُه وإسراعُ النار في جلودهم واللونُ الموحش والنتَنُ على أن التفاوت بينه وبين ما نشاهده وبين النارين لا يكاد يقادَر قدرُه فكأن ما نشاهده منهما أسماءُ مسمَّياتِها في الآخرة فبِكَرمه العميمِ نعوذ وبكنفه الواسع نلوذ ويحتمل أن يكون ذلك تمثيلاً لما يحيط بجوهر النفس من الملكات الرديةِ والهَنات الوحشية فتجلُب إليها الآلام والغموم بل وأن يكون القطِرانُ المذكور عينَ مالا بسوه في هذه النشأة وجعلوه شعاراً لهم من العقائد الباطلة والأعمال السيئة المستجلبة لفنون العذاب قد تجسّدت في النشأة الآخرة بتلك الصورة المستتبعةِ لاشتداد العذاب عصَمنا الله سبحانه عن ذلك بمنه ولُطفه وقرىء من قطرآنٍ أي نحاس مُذابٍ مُتناهٍ حرُّه (وتغشى وُجُوهَهُمْ النار) أي تعلوها وتحيط بها النارُ التي تمس جسدَهم المسَرْبلَ بالقطِران وتخصيصُ الوجوه بالحكم المذكورِ مع عمومه لسائر أعضائِهم لكونها أعزَّ الأعضاء الظاهرةِ وأشرفَها كقوله تعالى أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوء العذاب الخ ولكونها مجمعَ المشاعرِ والحواسّ التي خُلقت لإدراك الحق وقد أعرضوا عنه ولم يستعملوها في تدبيره كما أن الفؤادَ أشرفُ الأعضاء الباطنةِ ومحلُّ المعرفة وقد ملئوها بالجهالات لذلك قيل تَطَّلِعُ عَلَى الافئدة أو لخلوّها عن القطِران المغني عن ذكر غشيانِ النار لها ولعل تخليتَها عنه ليتعارفوا عند انكشافِ اللهب أحياناً ويتضاعف عذابُهم بالخزى على رءوس الأشهاد وقرىء تَغَشَّى أي تتغشى بحذف إحدى التاءين والجملة نصب على الحالية لا على أن الواو حاليةٌ لأنه مضارعٌ مثبَتٌ بل على أنها معطوفةٌ على الحال قاله أبو البقاء