{وجعلنا الليل والنهار آيتين} شروع في بيان بعض وجوه ما ذُكر من الهداية بالإرشاد إلى مسلك الاستدلالِ بالآيات والدلائلِ الآفاقية التي كلُّ واحدة منها برهانٌ نيِّرٌ لا ريب فيه ومنهاجٌ بيِّنٌ لا يضل من لا ينتحيه فإن الجعلَ المذكورُ وما عُطف عليهِ من محو آية الليل وجعل آيةِ النهار مبصرةً وإن كانت من الهدايات التكوينية لكن الإخبارَ بذلك من الهدايات القرآنية المنبّهة على تلك الهداياتِ وتقديمُ الليل لمراعاة الترتيبِ الوجوديِّ إذ منه ينسلخ النهارُ وفيه تظهرُ غُررُ الشهور ولو أن الليلةَ أضيفت إلى ما قبلها من النهار لكانت من شهر وصاحبُها من شهر آخرَ ولترتيب غايةِ آيةِ النهار عليها بلا واسطة أي جعلنا الملوين بهيا تهما وتعاقبُهما واختلافِهما في الطول والقِصَر على وتيرةٍ عجيبة يحار في فهمها العقولُ آيتين تدلان على أن لهما صانعاً حكيماً قادراً عليماً وتهديان إلى ما هدى إليه القرآنُ الكريم من ملة الإسلام والتوحيد {فمحونا آية الليل} الإضافةُ إما بيانيةٌ كما في إضافة العددِ إلى المعدود أي محونا الآية التي هي الليلُ وفائدتُها تحقيق مضمون الجملة السابقةِ ومحوُها جعلُها ممحُوّةَ الضوءِ مطموستَه لكنْ لا بعدَ أنْ لم يكن كذلك بل إبداعُها على ذلك كما في قولِهم سُبحان مَنْ صغر البعوضَ وكبَّر الفيل أي أنشأهما كذلك والفاءُ تفسيريةٌ لأن المحو المذكورُ وما عُطف عليه ليس مما يحصل عَقيبَ جعل الجديدين آيتين بل هما من جملة ذلك الجعلِ ومتماته {وجعلنا آية النهار} أي الآية التي هي النهارُ على نحو ما مر {مُبْصِرَةً}