{وإذا لقُوا الذين آمنوا قالوا آمنا} بيانٌ لتبايُن أحوالِهم وتناقضِ أقوالهم في أثناء المعاملة والمخاطبة حسب تباين المخاطبين ومَساقِ ما صُدِّرت به قصتُهم لتحرير مذهبهم والترجمةِ عن نفاقهم ولذلك لم يُتعرَّضْ ههنا لِمُتَعَلَّق الإيمان فليس فيه شائبةُ التكرير رُوِيَ أنَّ عبدَ اللَّه بن أبيّ وأصحابَه خرجوا ذاتَ يوم فاستقبلهم نفرٌ من الصحابة فقال ابن أبيَ أنظروا كيف أردُ هؤلاءِ السفهاءَ عنكم فلما دنَوْا منهم أخذ بيد أبي بكرٍ رضيَ الله عنْهُ فقال مرحباً بالصّدّيق سيدِ بني تميم وشيخِ الإسلام وثاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار الباذلِ نفسَه وما له لرسول الله ثم أخذ بيد عمر رضي الله عنه فقال مرحباً بسيد بني عديّ الفاروقِ القويّ في دينه الباذلِ نفسَه ومالَه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذ بيد عليٌّ كرم الله وجهه فقال مرحباً بابن عمِّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنِه وسيدِ بني هاشم ما خلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فنزلت وقيل قالَ له عليٌّ رضيَ الله عنه يا عبدَ الله اتق الله ولا تنافقْ فإن المنافقين شرُ خلق الله تعالى فقال له مهلاً يا أبا الحسن أفيَّ تقول هذا والله إن إيماننا كإيمانكم وتصديقَنا كتصديقكم ثم افترقوا فقال ابن أبيَ لأصحابه كيف رأيتموني فعلت فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت فأثنَوْا عليه خيرا وقالوا ما نزالُ بخير ما عشتَ فينا فرجع المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبروه بذلك فنزلت واللقاءُ المصادفة يقال لقِيته ولاقَيْته أي صادفته واستقبلته وقرئ إذا لاقَوْا {وَإِذَا خَلَوْاْ} من خلوتُ إلى فلان أي انفردت معه وقد يستعمل بالباء أو من خلا بمعنى مضى ومنه القرونُ الخالية وقولُهم خلاك ذمٌّ أي جاوزك ومضى عنك وقد جُوّز كونُه من خلوتُ به إذا سخِرْتُ منه على أن تعديته بإلى في قولِه تعالَى {إلى شياطينهم} لتضمُّنه معنى الإنهاء أي وإذا أَنهَوْا إليهم السخرية الخ وأنت خبير بأن تقييدَ قولهم المحكيّ بذلك الإنهاءِ مما لا وجهَ لَهُ والمرادُ بشياطينهم المماثلون منهم للشيطان في التمرد والعناد المظهرون لكفرهم وإضافتُهم إليهم للمشاركة في الكفر أو كبارُ المنافقين والقائلون صغارُهم وجعل سيبويهِ نونَ الشيطان تارةً أصلية فوزنُه فَيْعالٌ على أنه من شطَنَ إذا بعُدَ فإنه بعيدٌ من الخير والرحمة ويشهد له قولُهم تَشَيْطن وأخرى زائدة فوزنه فعلان على أنه من شاط أي هلك أو بطَل ومن أسمائه الباطل وقيل معناه هاج واحترق {قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ} أي في الدين والاعتقاد لا نفارقكم في حالٍ من الأحوالِ وإنما خاطبوهم بالجملة الاسمية المؤكدة لأن مُدّعاهم عندهم تحقيقُ الثبات على ما كانُوا عليهِ من الدين والتأكيدُ للإنباء عن صدق رغبتهم ووفورِ نشاطِهم لا لإنكار الشياطين بخلاف معاملتهم مع المؤمنين فإنهم إنما يدّعون عندهم إحداثَ الإيمان لجزمهم بعد رواج ادعاء الكمال فيه أو الثبات عليه إِنَّمَا نَحْنُ أي في إظهار الإيمان عند المؤمنين مُسْتَهْزِءونَ بهم من غير أن يخطرُ ببالنا الإيمانُ حقيقةً وهو استئنافٌ مبني على سؤال ناشئ من ادعاء المعية كأنه قيل لهم عند قولهم إنا معكم فما بالُكم توافقون المؤمنين في الإتيان بكلمة الإيمان فقالوا إنما نحن مستهزءون بهم فلا يقدح ذلك في