{وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} كثيرة وقرئ تسْوادُّ وعن عطاءٍ تبيضُّ وجوهُ المهاجرين والأنصارِ وتسْوَدّ وجوهُ بني قرَيظةَ والنَّضير ويومَ منصوبٌ على أنه ظرفٌ للاستقرار في لهم أي لثبوت العذابِ العظيمِ لهم أو على أنَّه مفعولٌ لمضمر خوطب به المؤمنون تحذيراً لهم عن عاقبة التفريق بعد مجئ البيناتِ وترغيباً في الاتفاق على التمسك بالدين أي اذكُروا يوم تبيض الخ وبياضُ الوجهِ وسوادُه كنايتان عن ظهور بهجةِ السرورِ وكآبةِ الخوفِ فيه وقيل يوسَمُ أهلُ الحقِّ ببياض الوجهِ والصحيفةِ وإشراقِ البَشرَة وسعْيِ النورِ بين يديه وبيمينه وأهلُ الباطلِ بأضداد ذلك
{فَأَمَّا الذين اسودت وُجُوهُهُمْ} تفصيلٌ لأحوال الفريقين بعد الإشارةِ إليها إجمالاً وتقديمُ بيانِ هؤلاءِ لما أن المَقام مقامُ التحذيرِ عن التشبه بهم مع ما فيه من الجمع بين الإجمال والتفصيلِ والإفضاءِ إلى ختم الكلامِ بحسن حال المؤمنين كما بدئ بذلك عند الإجمالِ
{أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} على إرادةِ القولِ أيْ فيقال لهم ذلك والهمزةُ للتوبيخ والتعجيبِ من حالهم والظاهرُ أنهم أهلُ الكتابين وكفرُهم بعد إيمانِهم كفرُهم برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم بعد إيمانِ أسلافِهم أو إيمانِ أنفسِهم به قبلَ مبعثِه عليه الصلاة والسلام أو جميعُ الكفرة حيث كفروا بعد ما أقروا بالتوحيد يومَ الميثاقِ أو بعد ما تمكنوا من الإيمان بالنظر الصحيحِ والدلائلِ الواضحة والآيات البنية وقيل المرتدون وقيل أهلُ البدعِ والأهواءِ والفاء في قوله عز وعلا
{فَذُوقُواْ العذاب} أي العذابَ المعهودَ الموصوف بالعظم الدلالة على أن الأمرَ بذَوْق العذابِ على طريق الإهانةِ مترتبٌ على كفرهم المذكورِ كما أن قولَه تعالى
{بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} صريحٌ في أن نفسَ الذوْقِ معلَّلٌ بذلك والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار كفرِهم أو على مُضيِّه في الدنيا