{لَا جَرَمَ} فيه ثلاثةُ أوجةٍ الأولُ أن لا نافيةٌ لما سبق وجَرَم فعلٌ بمعنى حقَّ وأنْ مع ما في حيزه فاعلُه والمعنى لا ينفعهم ذلك الفعلُ حقَّ
{أَنَّهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون} وهذا مذهبُ سيبويه والثاني جرَمَ بمعنى كسب وما بعده مفعولُه وفاعلُه ما دل عليه الكلامُ أي كسب ذلك خُسرانَهم فالمعنى ما حصلَ من ذلكَ إلا ظهورُ خُسرانِهم والثالثُ أن لا جرم بمعنى لا بد أى لا بد أَنَّهُمْ فِى الأخرة هُمُ الأخسرون وأياً ما كان فمعناه أنهم أخسرَ من كل خاسرٍ فتبين أنهم أظلمَ منْ كلِّ ظالمٍ وهذه الآياتُ الكريمة كما ترى مقرِّرةٌ لما سبق من إنكار المماثلةِ بين مَنْ كَانَ على بَيّنَةٍ مّن ربه وبين مَنْ كان يريد الحياةَ الدنيا أبلغَ تقريرٍ فإنهم حيث كانوا أظلمَ منْ كلِّ ظالمٍ وأخسَر من كل خاسرٍ لم يُتصوَّرْ مماثلةٌ بينهم وبين أحدٍ من الظَّلَمةِ الأخسرين فما ظنُّك بالمماثلة بينهم وبين مَنْ هو في أعلى مدارجِ الكمالِ ولما ذُكر فريقُ الكفارِ وأعمالُهم وبيّن مصيُرهم ومآلُهم شَرَع في بيان حالِ أضدادِهم أعني فريقَ المؤمنين وما يئول إليه أمرُهم من العواقب الحميدةِ تكملةً لما سلف من محاسنهم المذكورةُ في قولِه تعالى أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ من ربه الآية ليتبينَ ما بينهُما من التَّباينِ البيِّنِ حالاً ومآلاً فقيل