(وَمَن كَانَ) من المدعوّين المذكورين (فِى هذه) الدنيا التي فُعل بهم فيها ما فعل من فنون التكريمِ والتفضيل (أعمى) فاقدَ البصيرة لا يهتدي إلى رُشده ولا يعرِف ما أوليناه من نعمة التكْرِمةِ والتفضيلِ فضلاً عن شكرها والقيامِ بحقوقها ولا يستعمل ما أودعناه فيه من العقول والقُوى فيما خُلِقْن له من العلوم والمعارِف الحَقّة (فَهُوَ فِى الأخرة) التي عُبّر عنها بيومَ ندعو (أعمى) كذلك أي لا يهتدي إلى ما ينجيّه ولا يظفَر بما يُجديه لأن العمَى الأولَ موجبٌ للثاني وقد جُوّز كونُ الثاني بمعنى التفضيل على أن عماه في الآخرة أشد من عماه في الدنيا ولذلك قرأ أبو عمرو الأولَ مما لا والثاني مفخماً (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) أي من الأعمى لزوال الاستعدادِ المُمْكنِ وتعطلِ الآلاتِ بالكلية وهذا بعينه هو الذي أوتي كتابَه بشماله بدِلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له ولعل العدولَ عن ذكره بذلك العنوانِ مع أنه الذي يستدعيه حسنُ المقابلة حسبما هو الواقعُ في سورة الحاقة وسورةِ الانشقاق للإيذان بالعلة الموجبةِ له كما في قوله تعالى وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضالين بعد قوله تعالى فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ اليمين وللرمز إلى علة حالِ الفريقِ الأول وقد ذكر في أحد الجانبين المسبّبُ وفي الآخرة السببُ ودل بالمذكور في كل منهما على المتروك في الآخر تعويلاً على شهادة العقلِ كما في قوله عز وعلا وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ