{فَمَنْ حَاجَّكَ} أي من النصارى إذ هم المتصدون للمُحاجّة
{فِيهِ} أي في شأن عِيْسى عليه السَّلامُ وأمِّه زعماً منهم أنه ليس على الشأن المحكي
{مّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} أي ما يُوجِبُه إيجاباً قطعياً من الآيات البينات وسعوا ذلك منك فلم يرعودا عمَّا هُم عليهِ من الغي والضلال
{فَقُلْ} لهم
{تَعَالَوْاْ} أي هلُمّوا بالرأي والعزيمة
{نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ} اكتُفيَ بهم عن ذكر البناتِ لظهور كونِهم أعزَّ منهن وأما النساءُ فتعلُّقُهن من جهة أخرى
{وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ} أي ليدعُ كلٌّ منا ومنكم نفسَه وأعِزَّةَ أهلِه وألصقَهم بقلبه إلى المباهَلة ويحمِلْهم عليها وتقديمُهم على النفس في أثناء المباهلةِ التي هي من باب المهالكِ ومضان التلفِ مع أن الرجلَ يخاطرُ لهم بنفسه ويحارب دونهم للإيذان بكمال أمنِه عليه الصلاة والسلام وتمامِ ثقتِه بأمره وقوةِ يقينِه بأنه لن يُصيبَهم في ذلك شائبةُ مكروهٍ أصلاً وهو السرُّ في تقديم جانبِه عليه السلام على جانب المخاطَبين في كل من المقدم والمؤخر مع رعاية الأصلِ في الصيغة فإن غيرَ المتكلم تبع
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ} أي نتباهلْ بأن نلعنَ الكاذبَ منا والبُهلةُ بالضم والفتح اللعنةُ وأصلها الترك له في الإسناد من قولهم بَهَلْتُ الناقةَ أي تركتها بلاصرار
{فنجعل لعنة الله عَلَى الكاذبين} عطفٌ على نبتهل مبينٌ لمعناه روي أنهم لما دُعوا إلى المباهلة قالوا حتى نرجع وننظر فلما تخالوا قالوا اللعاقب وكان ذار إيهم يا عبدَ المسيح ما ترى فقال والله لقد عرفتم يا معشرَ النصارى أن محمداً نبيٌّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبِكم والله ما باهل قومٌ نبياً قط فعاش كبيرُهم ولا نبت صغيرُهم ولئن فعلتم لتهلِكُنّ فإن أبيتم إلا إلفَ دينِكم والإقامةِ على ما أنتُم عليهِ فوادِعوا الرجلَ وانصرِفوا إلى بلادكم فأتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غدا محتضِناً الحسينَ آخذاً بيد الحسنِ وفاطمةُ تمشي خلفَه وعليٌّ خلفها رضي الله عنهم أجمعين وهو يقول إذا أنا دعوتُ فأمِّنوا فقال أسقفُ نجرانَ يا معشرَ النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله تعالى أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله فلا تُباهلوا فتهلكوا ولا يقي على وجه الأرضِ نصرانيٌّ إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهِلَك وأن نُقِرَّك على دينك ونثبُتَ على ديننا قال صلى الله عليه وسلم فإذا أبيتم المباهلةَ فأسلِموا يكنْ لكم ما للمسلمين وعليكم ما على المسلمين فأبوا قال عليه الصلاة والسلام فإني أناجِزُكم فقالوا ما لنا بحربِ العربِ طاقةٌ ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تُخيفَنا ولا ترُدَّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كلَّ عام ألفي حلة