{مَن يَهْدِ الله فَهُوَ المهتدى} لما أُمر النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم بأن يقُصَّ قصصَ المنسلخِ على هؤلاء الضالين الذين مثلُهم كمثله ليتفكروا فيه ويترُكوا ما هم عليه من الإخلاد إلى ى الضلالة ويهتدوا إلى الحقعقب ذلك بتحقيق أن الهدايةَ والضلالةَ من جهةِ الله عزَّ وجل وإنما العِظةُ والتذكيرُ من قبيل الوسائطِ العادية في حصول الاهتداءِ من غير تأثير لها فيه سوى كونِها دواعيَ إلى صرف العبدِ اختيارَه نحو تحصيلِه حسبما نيط به خلقُ الله تعالى إياه كسائر أفعالِ العباد فالمرادُ بهذه الهدايةِ ما يوجب الاهتداءَ قطعاً لكن لا لأن حقيقتَها الدلالة الموصلة إلى الغية البتة بل لأنها الفردُ الكاملُ من حقيقة الهدايةِ التي هي الدلالةُ إلى ما يوصل إلى البغتة أي ما مِنْ شأنِه الإيصالُ إليها كما سبق تحقيقُه في تفسيرِ قولِه تعالى هُدًى لّلْمُتَّقِينَ وليس المرادُ مجردَ الإخبار باهتداء من هداه الله تعالى حتى يُتوهّم عدمُ الإفادةِ بحسب الظاهر لظهور استلزامه هدايتِه تعالى للاهتداء ويُحمل النظمُ الكريمُ على تعظيم شأن الأهتداءِ والتنبيه على أنه في نفسه كمالٌ جسيمٌ ونفعٌ عظيمٌ لو لم يحصل له غير لكفاه بل هو قصرُ الاهتداء على من هداه الله تعالى حسبما يقضي به تعريفُ الخبرِ فالمعنى من يهدِه الله أي يخلقْ فيه الاهتداء على الوجه المذكور فهو المهتدي لا غيرُ كائناً من كان {وَمَن يُضْلِلِ} بأن لم يخلُقْ فيه الاهتداءَ بل خلق فيه الضلاللا لصرف اختياره نحوَها {فَأُوْلَئِكَ} الموصوفون بالضلالة على الوجه المذكور {هُمُ الخاسرون} أي الكاملونَ في الخُسران لا غير وإفرادُ المهتدي نظراً إلى لفظ مَنْ وجمع الخاسرين نظراً إلى معناها للإيذان باتحاد منهاجِ الهُدى وتفرّقِ