{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ} في مقامكما هذا حسب عادتِكما المطردةِ
{إِلَاّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ} استثناءٌ مفرَّغٌ من أعم الأحوال أي لا يأتيكما طعامٌ في حالٍ من الأحوالِ إلا حالَ ما نبأتكما به بأن بينت لكما ما هيته وكيفيته وسائرَ أحواله
{قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا} وإطلاقُ التأويل عليه إما بطريق الاستعارةِ فإن ذلك بالنسبة إلى مطلق الطعامِ المُبهمِ بمنزلة التأويلِ بالنظر إلى ما رُئيَ في المنام وشبيهٌ له وإما بطريق المشاكلة حسبما وقع في عبارتهما من قولهما نَبّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ولا يبعُد أن يراد بالتأويل الشيءُ الآئلُ لا المآلُ فإنه في الأصل جعلُ شيءٍ آئلاً إلى شيء آخرَ فكما يجوزُ أنْ يرادَ به الثاني يجوزُ أنْ يرادَ به الأولُ فالمعنى إلا نبأتُكما بما يؤول إليه من الكلام والخبرِ المطابق للواقع وكان عليه السلام يقول لهما اليوم يأتيكما طعامٌ من صفته كيتَ وكيتَ فيجدنه كذلك ومرادُه عليه السلام بذلك بيانُ كلِّ ما يُهمّهما من الأمور المترقَّبة قبل وقوعِها وإنما تخصيصُ الطعام بالذكر لكونه عريقاً في ذلك بحسب الحال مع ما فيه من مراعاة حسنِ التخلص إليه مما استعبراه من الرؤيَيَيْن المتعلقتين بالشراب والطعام وقد جُعل الضميرُ لما قصا من الرؤييين على معنى لا يأتيكما طعام ترزقانه حسب عادتِكما إلا أخبرتكما بتأويل ما قصصتما عليَّ قبل أن يأتيكما ذلك الطعامُ الموقت مراداً به الإخبارُ بالاستعجال في التنبئة وأنت خبير بأن النظم الكريمَ ظاهرٌ في تعدد إتيانِ الطعام والإخبار بالتأويل وتجدُّدِهما وأن المقام مقامُ إظهارِ فضلِه في فنون العلومِ بحيث يدخل في ذلك تأويلُ رؤياهما دخولاً أولياً وإنما لم يكتفِ عليه السلام بمجرد تأويلِ رؤياهما مع أن فيه دِلالةً على فضلة لأنهما لما نعتاه عليه السلام بالانتظام في سِمْط المحسنين وأنهما قد علما ذلك حيث قالا إنا نراك