للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يوسف ٣٨ من المحسنين توسّم عليه السلام فيهما خيراً وتوجّهاً إلى قبول الحق فأراد أن يخرُجَ آثرَ ذي أثيرٍ عما في عُهدته من دعوة الخلقِ إلى الحق فمهّد قبل الخوضِ في ذلك مقدمةً تزيدهما علماً بعظم شأنِه وثقةً بأمره ووقوفا على علو طبقته في بدائع العلومِ توسلاً بذلك إلى تحقيق ما يتوخاه وقد تخلّص إليها من كلامهما فكأنه قال تأويلُ ما قصصتماه عليّ في طرف التمام حيث رأيتما مثاله في المنام وإني أبيّن لكما كلَّ جليل ودقيق من الأمور المستقبلة وإن لم يكن هناك مقدمة المنام حتى إن الطعام الموظفَ الذي يأتيكما كلَّ يوم أبينه لكما قبل إتيانه ثم أخبرهما بأن علمه ذلك ليس من قبيل علوم الكهنةِ والعرّافين بل هو أفضل إلهيٌّ يؤتيه من يشاء ممن يصطفيه للنبوة فقال

{ذلكما} أي ذلك التأويلُ والإخبارُ بالمغيّبات ومعنى البُعد في ذلك للإشارة إلى علو درجتِه وبُعد منزلتِه

{مِمَّا عَلَّمَنِى رَبّى} بالوحي والإلهامِ أي بعضٌ منه أو من ذلك الجنسِ الذي لا يحوم حولَ إدراكِه العقولُ ولقد دلهما بذلك على أن له علوماً جمةً ما سمعاه قطعةٌ من جملتها وشُعبةٌ من دوحتها ثم بين أن نيل تلك الكرامةِ بسبب اتباعِه ملةَ آبائِه الأنبياءِ العظامِ وامتناعِه عن الشرك فقال

{إِنّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَاّ يُؤْمِنُونَ بالله} وهو استئنافٌ وقع جوابا عن سؤال نشأ من قوله ذلكما مما علمني ربي وتعليلاً له لا للتعليم الواقع صلةً للموصول لتأديته إلى معنى أنه مما علمني ربي لهذا السبب دون غيرِه ولا لمضمون الجملةِ الخبرية لأن ما ذُكر بصدد التعليلِ ليس بعلةٍ لكون التأويلِ المذكورِ بعضاً مما علمه ربُّه أو لكونه من جنسه بل لنفس تعليمِ ما علمه فكأنه قيل لماذا علمك ربُّك تلك العلومَ البديعة فقيل لأني تركت ملة الكفرةِ أي دينَهم الذي اجتمعوا عليه من الشرك وعبادةِ الأوثان والمراد بتركها الامتناعُ عنها رأساً كما يفصحُ عنه قولُه مَا كَانَ لنا أن نشرك بالله مِن شَىْء لا تركُها بعد ملابستها وإنما عبّر عنه بذلك لكونه أدخلَ بحسب الظاهرِ في اقتدائهما به عليه السلام والتعبيرُ عن كفرهم بالله تعالى بسلب الإيمان به للتنصيص على أن عبادتَهم له تعالى مع عبادة الأوثانِ ليست بإيمان به تعالى كما هو زعمُهم الباطلُ على ما مرَّ في قوله تعالى إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح

{وَهُم بالآخرة} وما فيها من الجزاء

{هُمْ كافرون} على الخصوص دون غيرِهم لإفراطهم في الكفر

<<  <  ج: ص:  >  >>