{سُبْحَانَ الذي خَلَق الازواج كُلَّهَا} استئنافٌ مسوقٌ لتنزيهه تعالى عمّا فعلوه من ترك شكره على آلائه المذكورة واستعظام ما ذُكر في حيز صلة من بدائعِ آثارِ قُدرتِه وأسرارِ حكمتِه وروائعِ نعمائِه الموجبةِ للشُّكرِ وتخصيصِ العبادةِ به والتَّعجيب من إخلالِهم بذلك والحالةُ هذه وسبحانَ علمٌ للتَّسبيحِ الذي هو التبعيدُ عن السُّوءِ اعتقاداً وقولاً أي اعتقادَ البعدِ عنه والحكمَ به مِنْ سبَح في الأرضِ والماءِ إذا أبعدَ فيهما وأمعنَ ومنه فرسٌ سَبُوحٌ أي واسعُ الجرْي وانتصابُه على المصدريّةِ ولا يكاد يُذكر ناصبُه أي أُسبِّحُ سبحانَه أي أنزّهُه عمَّا لا يليقُ به عقْداً وعملاً تنزيهاً خاصَّا به حقيقاً بشأنِه وفيه مبالغةٌ من جهة الاشتفاق من السَّبْح ومن جهة النَّقلِ إلى التَّفعيلِ ومن جهة العدولِ عن المصدرِ الدَّالِ على الجنسِ إلى الاسمِ الموضوع له خاصَّة لاسيما العلمُ المشيرُ إلى الحقيقةِ الحاضرةِ في الذِّهنِ ومن جهة إقامتهِ مُقامَ المصدرِ مع الفعلِ وقيل هو مصدرٌ كغُفرانٍ أُريد به التنزُّهُ التامُّ والتَّباعد الكُلِّيُ عن السُّوءِ ففيه مبالغةٌ من جهةِ إسنادِ التَّنزه إلى الذَّاتِ المُقدَّسةِ فالمعنى تنزه بذاتِه عن كلِّ ما لا يليقُ به تنزُّهاً خاصَّا به فالجملةُ على هذا إخبارٌ من الله تعالى بتنزهِه وبراءتِه عن كل مالا يليقُ به مَّما فعلُوه وما تركُوه وعلى الأوَّلِ حكم منه عزَّ وجلَّ بذلك وتلقين للمؤمنين أنْ يقولوه ويعتقدُوا مضمونَه ولا يُخلُّوا به ولا يغفلُوا عنه المراد بالأزواجِ الأصنافُ والأنواعُ {مِمَّا تُنبِتُ الارض} بيانٌ لها والمرادُ به كلُّ ما ينبتُ فيها من الأشياءِ المذكورةِ وغيرها {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} أي خلقَ الأزواجَ من أنفسِهم أي الذَّكرَ والأُنثى {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} أي والأزواجَ مما لم يُطلعهم الله تعالى على خُصوصيَّاتهِ لعدمِ قُدرتِهم على الاحاطةِ بها ولمَّا لم يتعلَّق بذلك شيءٌ من مصالحِهم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ وإنما أطلعَهم على ذلك بطريقِ الإجمالِ على منهاج قوله تعالى وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ لما نبط به وقوفُهم على عظمِ قدرتِه وسعةِ مُلكهِ وسلطانِه