{وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآء} شروعٌ في بيان عقابِ كُفَّارِ مكَّة إثر بيانِ عقابِ أضرابِهم من الأحزابِ الذين أُخبر فيما سبقَ بأنَّهم جندٌ حقيرٌ منهم مهزومٌ عن قريبٍ فإنَّ ذلكَ ممَّا يوجبُ انتظارَ السَّامعِ وترقبه إلي بيانه قطعاً وفي الإشارةِ إليهم بهؤلاء تحقيرٌ لشأنِهم وتهوينٌ لأمرِهم وأمَّا جعلُه إشارةً إلى الأحزابِ باعتبارِ حضورِهم بحسبِ الذِّكرِ أو حضورِهم في علم الله عز وجل فليس في حيِّزِ الاحتمالِ أصلاً كيف لا والانتظار سواءٌ كان حقيقةً أو استهزاء إنما يُتصور في حقِّ من لم يترتب على أعمالِه نتائَجُها بعْد وبعدَ ما بيّن عقابُ الأحزابِ واستئصالُهم بالمرَّةِ لم يبقَ ممَّا أُريد بيانُه من عقوباتهم أمرٌ منتظرٌ وإنَّما الذين في مرصدِ الأنتظارِ كفَّارُ مكَّةَ حيث ارتكبُوا من عظائمِ الجرائم وكبائرِ الجرائرِ الموجبة لأشدِّ العقوباتِ مثلَ ما ارتكب الأحزابُ أو أشدَّ منه ولمَّا يلاقوا بعد شيئاً من غوائلِها أي وما ينتظُر هؤلاءِ الكَفَرةُ الذين هم أمثالُ أولئك الطَّوائفِ المهلكة في الكُفرِ والتَّكذيبِ {إِلَاّ صَيْحَةً واحدة} هي النَّفخةُ الثَّانيةُ لا بمعني أنَّ عقابهم نفسُها بما فيها من الشِّدَّةِ والهَوْلِ فإنَّها داهيةٌ يعمُّ هولُها جميعَ الأُممِ برَّهاً وفاجرِها بل بمعنى أنَّه ليس بينهم وبين حلولِ ما أعدلهم من العقاب الفظيعِ إلَاّ هي حيثُ أُخِّرت عقوبتُهم إلى الآخرةِ لما أنَّ تعذبهم بالاسئصال حسبما يستحقونه والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرِهم خارجٌ عن السُّنَّةِ الإلهيَّةِ المبنيّةِ على الحِكَم الباهرةِ كما نطقَ به قوله تعالى وَمَا كَانَ الله لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وأمَّا ما قيل مِن أنَّها النَّفخةُ الأَولى فممَّا لا وجهَ له أصلاً لما أنَّه لا يشاهد هو لها ولا يُصعقُ بَها إلَاّ مَنْ كانَ حيَّاً عندَ وقوعِها وليس عقابُهم الموعودُ واقعاً عقيبها ولا العذابُ المطلق مؤخر إليها بل يحلُّ بهم من حينِ موتِهم {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} أي من توقُّفٍ مقدار فَوَاقٍ وهو ما بين الحَلْبتينِ وقرئ بضمِّ الفاءِ وهُما لغتانِ وقولُه تعالى