{وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ} أي وصلَ إليهِ وهو بئر كانوا يسقون منه {وَجَدَ عَلَيْهِ} أي فوقَ شفيرِها {أُمَّةً} جماعةً كثيفةً {مّنَ الناس يَسْقُونَ} أي مواشيَهم {وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ} أي في موضعٍ أسفلَ منهم {امرأتين تَذُودَانِ} أي تمنعانِ ما معهما من الأغنامِ عن التقدمِ إلى البئرِ كيلا تختلطَ بأغنامِهم مع عدمِ الفائدة في التَّقدمِ {قَالَ} عليه السَّلام لهما حينَ رآهُما على ماهما عليه من التأخر والذود {مَا خَطْبُكُمَا} ما شأنُكما فيما أنتُما عليه من التَّأخرِ والذَّودِ ولم لا تباشرانِ السقيَ كدأبِ هؤلاءِ {قَالَتَا لَا نَسْقِى حتى يُصْدِرَ الرعاء} أي عادتُنا أن لا نسقيَ حتَّى يصرف الرعاة مواشيهم بعدريها عن الماءِ عجزاً عن مساجلتِهم وحذراً عن مخالطةِ الرجالِ لا أنا لا نسقي اليومَ إلى تلك الغايةِ وحذفُ مفعولِ السَّقيِ والذَّودِ والإصدارِ لمَا أنَّ الغرضَ هو بيانُ تلك الأفعالِ أنفسِها إذْ هي التي دعتْ مُوسى عليه السَّلامُ إلى ما صنعَ في حقِّهما من المعروفِ فإنه عليه الصلاة والسلام إنَّما رحمَهما لكونِهما على الذيادِ للعجزِ والعفَّةِ وكونِهم على السقيِ غيرَ مُبالين بهما وما رحمهما لكن مذودِهما غنماً ومسقيهم إبلاً مثلاً وقُرىء لا نُسقي من الإسقاءِ ويَصدُر من الصُّدورِ والرُّعاء بضمِّ الرَّاءِ وهو اسم جمع كالرخاء وأما الرِّعاءِ فجمعٌ قياسيٌّ كصِيامٍ وقِيامٍ وقولُه تعالى {وأبونا شيخ كبير} إبراء منهم للعُذرِ إليه عليه السَّلامُ في تولِّيهما للسَّقيِ بأنفسِهما كأنَّهما قالتَا إنَّا امرأتانِ ضعيفتانِ مستورتانِ لا نقدرُ على مُساجلةِ الرِّجالِ ومزاحمتِهم وما لنا رجلٌ يقومُ بذلكَ وأبُونا شيخٌ كبيرُ السنِّ قد أضعفَه الكبرُ فلا بدَّ لنا من تأخيرِ السَّقيِ إلى أنْ يقضي النَّاسُ أوطارَهم من الماءِ