{قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبّى} فإن معناه أنه من الغيوب التي لا يعلمُها إلا الله تعالى وإنما أنا عبدٌ لا أعلم مها إلا ما علّمنيه من الأمور المتعلقة بما أُرسلت به ولو كان المسؤولُ عنه ما ذكر من الشقاوة والسعادةِ لأجيب ببيان أن من اتبع الهدى منهم فقد سلِم ومن تولى فقد عُذّب حسبما نطق به قوله تعالى والسلام الآيتين {فِى كتاب} أي مُثْبتٍ في اللوحِ المحفوظِ بتفاصيلِه ويجوزُ أنْ يكونَ ذلكَ تمثيلاً لتمكنه وقرره في علم الله عزل وجل بما استحفظه العالَم وقيده بالكَتَبة كَما يلوحُ بهِ قولُه تعالى {لَا يَضِلُّ رَبّى وَلَا يَنسَى} أي لا يخطئ ابتداءً ولا يذهب علمه بقاء بل ثابتٌ أبداً فإنهما مُحالان عليه سبحانه وهو على الأول لبيان أن إثباتَه في اللوح ليس لحاجته تعالى إليه في العلم به ابتداءً أو بقاءً وإظهارُ ربي في موقع الإضمار للتلذذ بذكره ولزيادة التقريرِ والإشعارِ بعِلة الحُكم فإن الربوبيةَ مما يقتضي عدمَ الضلالِ والنسيانِ حتماً ولقد أجاب عليه الصلاة والسلام عن السؤال بجواب عبقري بديعٍ حيث كشف عن حقيقة الحقِّ حجابَها مع أنه لم يخرُجْ عما كان بصدده من بيان شئونه تعالى ثم تخلّص إليه حيث قال بطريق الحكايةِ عن الله عز وجل لما سيأتي من الالتفات