{قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم} بعد ما بُيّن من جهته تعالى غايةُ هول ما يستعجله المستعجلون ونهايةُ سوءِ حالهم عند إتيانه ونُعيَ عليهم جهلُهم بذلك وإعراضُهم عن ذكر ربهم الذي يكلؤهم من طوارق الليل والنهار وغيرُ ذلك من مساوي أحوالهم امر صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم إنما أنذركم ما تستعجلونه من الساعة {بالوحى} الصادق الناطقِ بإتيانها وفظاعةِ ما فيها من الأهوال أي إنما شأني أن أنذرَكم بالإخبار بذلك لا بالإتيان بها فإنه مزاحمٌ للحكمة التكوينية والتشريعية إذ الإيمانُ برهانيٌّ لا عياني وقوله تعالى {ولا يسمع الصم الدعاء} إما من تتمة الكلامِ الملقّن تذييلٌ له بطريق الاعتراض قد أُمر عليه السلام بأن يقوله لهم توبيخاً وتقريعاً وتسجيلاً عليهم بكمال الجهلِ والعِناد واللامُ للجنس المنتظمِ للمخاطبين انتظاماً أولياً أو للعهد فوضَعَ المُظهرَ موضعَ المُضمر للتسجيل عليهم بالتصامّ وتقييدُ نفي السماعِ بقوله تعالى {إِذَا مَا يُنذَرُونَ} مع أن الصمَّ لا يسمعون الكلام إنذاراً كان أو تبشيراً لبيان كمال شدةِ الصّمَمِ كما أن إيثارَ الدعاء الذي هوعبارة عن الصوت والنداءِ على الكلام لذلك فإن الإنذارَ عادة يكون بأصواب عالية مكررة مقارنة لهيآت دالةٍ عليه فإذا لم يسمعوها يكون صَممُهم في غايةٍ لا غايةَ وراءَهَا وإما من جهته تعالى على طريقة قوله تعالى بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبّهِمْ مُّعْرِضُونَ ويؤيده القراءةُ على خطاب النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من الإسماع بنصب الصمُّ والدعاءَ كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم ذلك وأنت بمعزل من إسماعهم وقرىء بالياء أيضاً على أن الفاعلَ هو عليه السلام وقُرِىءَ على
٤٦ - البناءِ للمفعولِ أي لا يقدِرُ أحدٌ على إسماع الصمِّ وقوله تعالى