{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِى سَبِيلِ الله أَوْ مُتُّمْ} شروعٌ في تحقيق أن ما يحذرون ترتُّبَه على الغزو والسفر من القتل والموتِ في سبيلِ الله تعالى ليسَ ممَّا ينبغِي أنْ يُحذر بل مما يجب أن يتنافس المتنافسون إثرَ إبطالِ ترتُّبِه عليهما واللامُ هي الموطئةُ للقسم وما في قوله تعالى
{لَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله وَرَحْمَةٌ} لامُ الابتداء والتنوينُ في الموضعين للتقليل ومِنْ متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً للمبتدأ وقد حُذفت صفةُ رحمةٌ لدِلالة المذكورِ عليها والجملةُ جوابٌ للقسم سادٌّ مسدَّ جوابِ الشرطِ والمعنى إنْ السفرَ والغزوَ ليس مما يجلُب الموتَ ويقدّم الأجلَ أصلاً ولئن وقع ذلك بأمر الله تعالى لنفحةٌ يسيرةٌ من مغفرة ورحمةً كائنتين من الله تعالى بمقابلة ذلك
{خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ} أي الكفرةُ من منافعِ الدنيا وطيّباتها مدةَ أعمارِهم وعن ابن عباس رضي الله عنهما خيرٌ من طِلاع الأرضِ ذهبة حمراء وقرئ بالتاء أي مما تجمعونه أنتم لو لم تموتوا والاقتصارُ على بيان خيريتِهما من ذلك بلا تعرّضٍ للإخبار بحصولهما لهم للإيذان بعدم الحاجة إليه بناء على استحالة التخييبِ منه تعالى بعد الإطماعِ وقد قيل لا بد من حذفٍ آخَرَ أي لمغفرةٌ لكم من الله الخ وحينئذ يكون أيضاً إخراجُ المقدَّرِ مُخرَجَ الصفةِ دون الخبر لنحو ما ذُكر من ادعاء الظهورِ والغِنى عن الإخبار به وتغييرُ الترتيب الواقعِ في قولهم ما ماتوا وما قتلوا المبنيِّ على كثرة الوقوعِ وقِلّته للمبالغة في الترغيب في الجهاد ببيان زيادةِ مزيةِ القتلِ في سبيل الله وإنافتِه في استجلاب المغفرةِ والرحمةِ وفيه دَلالةٌ واضحةٌ على ما مر من أن المقصودَ بالنهي إنما هو عدمُ مماثلتِهم في الاعتقاد بمضمون القولِ المذكورِ والعملِ بموجبه لا في النطق به وإضلالِ الناسِ به