{وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَاءهُمْ} استئناف مسوق لبيان أن أهواءَهم الزَّائغة التي ما كرهوا الحقَّ إلا لعدم موافقته إيَّاها مقتضيةٌ للطَّامةِ أي لو كان ما كرهُوه من الحقِّ الذي مِن جُملتهِ ما جاء به صلى الله عليه وسلم موافقاً لأهوائِهم الباطلةِ {لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ} وخرجتْ عن الصَّلاحِ والانتظامِ بالكليةِ لأنَّ مناطَ النِّظامِ ليس إلَاّ ذلكَ وفيه من تنويهِ شأنِ الحقِّ والتَّنبيهِ على سُموِّ مكانه ما لا يخفى وأما ما قيل لو اتبع الحقِّ الذي جاءَ به صلى الله عليه وسلم أهواءَهم وانقلبَ شِركاً لجاء اللَّهُ تعالى بالقيامةِ ولأهلكَ العالَم ولم يؤخِّرْ ففيهِ أنَّه لا يُلائم فرضَ مجيئه صلى الله عليه وسلم به وكذا ما قيل لو كانَ في الواقعِ إلهان لا يناسبُ المقامَ وأمَّا ما قيل لو اتبع الحقُّ أهواءَهم لخرجَ عن الإلهية فمالا احتمالَ له أصلاً {بَلْ أتيناهم بِذِكْرِهِمْ} انتقالٌ من تشنيعهم بكراهةِ الحقِّ الذي به يقومُ العالمُ إلى تشنيعهم بالإعراضِ عمَّا جُبلَ عليه كلُّ نفسٍ من الرَّغبةِ فيما فيه خيرُها والمرادُ بالذِّكرِ القرآنُ الذي هو فخرُهم وشرفهم حسبما ينطِق به قوله تعالَى وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ أي بل أتيناهُم بفخرهم وشرفهم الذي كان يجبُ عليهم أنْ يقبلُوا عليه أكملَ إقبالٍ {فَهُمُ} بما فعلُوه من النُّكوصِ {عَن ذِكْرِهِمْ} أي فخرهم وشرفهم خاصَّةً {مُّعْرِضُونَ} لا عن غير ذلك مما لا يُوجبُ الإقبالَ عليه والاعتناءَ به وفي وضع للظاهر موضعَ الضَّميرِ مزيدُ تشنيعٍ لهم وتقريعٍ والفاءُ لترتيب ما بعدَها من إعراضِهم عن ذكرهم