{وابتلوا اليتامى} شروعٌ في تعيين وقتِ تسليمِ أموالِ اليتامى إليهم وبيانِ شرطِه بعد الأمرِ بإيتائها على الإطلاق والنهيِ عنه عند كونِ أصحابِها سفهاءَ أي واختبروا من ليس منهم بيِّن السَّفَهِ قبل البلوغِ بتتبُّع أحوالِهم في صلاح الدينِ والاهتداءِ إلى ضبط المالِ وحسنِ التصرفِ فيه وجرِّبوهم بما يليق بحالهم فإن كانوا من أهل التجارةِ فبأن تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعا وابتياعا وإن كانوا ممن له ضِياعٌ وأهلٌ وخدَمٌ فبأن تعطوهم منه ما يصرفونه إلى نفقة عبيدِهم وخدمِهم وأُجَرائِهم وسائرِ مصارفِهم حتى تتبين لكم كيفيةُ أحوالِهم
{حتى إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ} بأن يحتلموا لأنهم يصلُحون عنده للنكاح
{فإن آنستم} أي شاهدتم وتبينتم وقرئ أحَسْتم بمعنى أحسستم كما في قول من قال ... خلا أن العتاقَ من المطايا ... أحَسْنَ به وهنّ إليه شوُسُ ...
{مّنْهُمْ رُشْداً} أي اهتداءً إلى وجوه التصرفاتِ من غير عجز وتبذيرٍ وتقديمُ الجارِّ والمجرورِ على المفعول للاهتمام بالمقدَّمِ والتَّشويقِ إلى المؤخر أو للاعتداد بمبدئيته له والتنوينُ للدِلالة على كفاية رُشدٍ في الجملة وقرئ بفتح الراء والشين وبضمها
{فادفعوا إِلَيْهِمْ أموالهم} من غير تأخيرٍ عن حد البلوغِ وفي إيثار الدفعِ على الإيتاء الواردِ في أول الأمرِ إيذانٌ بتفاوتهما بحسسب المعنى كما أُشيرَ إليهِ فيما سلف ونظم الآية الكريمة أن حتى هي التي تقع بعدها الجمل كالتي في قوله ... فما زالت القتلى تمُجُّ دماءَها ... بدِجلةَ حتى ماءُ دِجلةَ أشكلُ ... وما بعدها جملةٌ شرطيةٌ جُعلت غايةً للابتلاء وفعلُ الشرطِ بَلَغُواْ وجوابُه الشرطيةُ الثانيةُ كأنه قيل وابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغِهم واستحقاقِهم دفعَ أموالِهم إليهم بشرط إيناسِ الرُشدِ وظاهرُ الآيةِ الكريمةِ أن من بلغ غيرَ رشيدٍ إما بالتبذير أو بالعجز لا يدفع إليه مالُه أبداً وبه أخذ أبو يوسفَ ومحمدٌ وقال أبو حنيفة ينتظر إلى خمس وعشرين سنةً لأن البلوغ بالسن ثماني عشرة سنةً فإذا زادت عليها سبعُ سنين وهي مدةٌ معتبرةٌ في أحوالِ الإنسانِ لما قالَه عليه الصَّلاةُ