{استغفر لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} إخبارٌ باستواء الأمرَين الاستغفارُ لهم وتركُه في استحالة المغفرة وتصويرُه بصورة الأمر للمبالغة في بيان استوائهما كأنه صلى الله عليه وسلم أُمر بامتحان الحالِ بأن يستغفر تارة ويتركَ أخرى ليظهرَ له جليةُ الأمر كما مر في قوله عز وجل قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كرها لن يتقبل منكم
{إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} بيانٌ لاستحالة المغفرة بعد المبالغةِ في الاستغفار إثرَ بيانِ الاستواءِ بينه وبين عدمِه رُوِيَ أنَّ عبدَ اللَّه بنَ عبدِ اللَّه بنِ أُبيّ وكان من المخلِصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض أبيه أن يستغفر له ففعل صلى الله عليه وسلم فنزلت فقال صلى الله عليه وسلم محافظةً على ما هو الأصلُ من أن مراتبَ الأعداد حدودٌ معينةٌ يخالف حكمُ كلَ منها حكمَ ما فوقها إن الله قد رخّص لي فسأزيد على السبعين فنزلت سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ وقد شاع استعمالُ السبعةِ والسبعين والسبعِمائةِ في مطلق التكثيرِ لاشتمال السبعة على جملة أقسام العددِ فكأنها العددُ بأسره وقيل هي أكملُ الأعدادِ لجمعها معانيَها ولأن الستة أولُ عددٍ تامَ لتعادل أجزائِها الصحيحةِ إذ نصفُها ثلاثة وثلثُها اثنان وسدسُها واحد وجملتها ستةٌ وهي مع الواحد سبعةٌ فكانت كاملةً إذ لا مرتبةَ بعد التمام إلا الكمالُ ثم السبعون غايةُ الكمالِ إذ الآحادُ غايتُها العشرات والسبعُمائة غايةُ الغايات
{ذلك} إشارةٌ إلى امتناع المغفرةِ لهم ولو بعد المبالغةِ في الاستغفار أي ذلك الامتناعُ ليس لعدم الاعتدادِ باستغفارك بل
{بِأَنَّهُمْ} أي بسببِ أنَّهم
{كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ} كفراً متجاوزاً عن الحد كما يلوح به وصفُهم بالفسق في قولِه عزَّ وجلَّ
{والله لَا يَهْدِى القوم الفاسقين} فإن الفسقَ في كل شيء عبارةٌ عن التمرُّد والتجاوز عن حدوده أي لا يهديهم هدايةً مُوصلةً إلى المقصد البتةَ لمخالفة ذلك للحكمة التي عليها يدورُ فلكُ التكوين والتشريعِ وأما الهدايةُ بمعنى الدِلالة على ما يوصِل إليه فهي متحققةٌ لا محالة ولكنهم بسوء اختيارِهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا وهو تذييلٌ مؤكدٌ لما قبله من الحُكم فإن مغفرةَ الكافرِ إنما هي بالإقلاع عن الكفر والإقبال إلى الحق والمتهمك فيه المطبوعُ عليه بمعزل من ذلك وفيه تنبيهٌ على عذر النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم في استغفاره لهم وهو عدمُ يأسِه من إيمانهم حيث لم يعلم أنهم مطبوعون على الغي والضلالِ إذ الممنوعُ هو الاستغفارُ لهم بعد تبيُّن حالِهم كما سيتلى من قولهِ عزَّ وجلَّ مَا كَانَ لِلنَّبِىّ الآية