{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ} أي تركوا ما ذكرهم به صلحاؤُهم تركَ الناسي للشيء وأعرضوا عنه إعراضاً كلياً بحيث لم يخطر ببالِهم شيءٌ من تلك المواعظ أصلاً {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء} وهم الفريقان المذكورانِ وإخراجُ إنجائهم مخرج الحواب الذي حقُّه الترتبُ على الشرط وهو نِسيانُ المعتدين المستتبِعُ لإهلاكهم لما أن ما في حيز الشرط شيآنِ النسيانُ والتذكيرُ كأنه قيل فلما ذكر المذكرون ولم يتذكر المعتدون أنجينا الأولين وأخذنا الآخَرين وأما تصديرُ الجواب بإنجائهم فلما مر مراراً من المسارعة إلى بيان نجاتِهم من أول الأمرِ مع ما في المؤخر من نوع طُول {وَأَخَذْنَا الذين ظَلَمُواْ} بالاعتداء ومخالفةِ الأمر {بِعَذَابٍ بئيس} أيشديد وزناً ومعنى من بَؤُس يبؤُس بأساً إذا اشتد وقرىء بيئس على وزن فيعل بفتح العين وكسرها وبئس كحذر على تخفيف العين ونقلِ حركتِها إلى الفاء ككَبِد في كبد وءيس بقلب الهمزة ياءً كذيب في ذئب وبيّس كريّس بقلب همزةِ بئيس ياءً وإدغام الياء فيها وبَيْسٍ على تخفيف بيّس كهَيْن في هيّن وتنكيرُ العذاب للتفخيم والتهويل {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} متعلقٌ بأخذنا كالباء الأولى ولا ضيرَ فيه لاختلافهما معنى أي أخذناهم بما ذُكِرَ من العذابِ بسبب تماديهم في الفسق الذي هو الخروجُ عن الطاعة وهو الظلمُ والعدوانُ أيضاً وإجراءُ الحكم على الموصول وإن أشعرَ بعلية مَا في حيزِ الصِّلةِ له لكنه صرّح بالتعليل المذكورِ إيذاناً بأن العلةَ هو الاستمرارُ على الظلم والعدوان مع اعتبار كونِ ذلك خروجاً عن طاعةِ الله عزَّ وجلَّ لا نفسُ الظلم والعدوان وإلا لما أخّروا عن ابتجاء المباشرة ساعة ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصالِ فلم يُقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا في الغي فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى