{بلى} الخ إثباتٌ منْ جهتِه تعالَى لِمَا نفَوْه مستلزمٌ لنفْي ما أثبتوه وإذْ ليس الثابتُ به مجردَ دخولِ غيرِهم الجنةَ ولو معهم ليكون المنفيُّ مجردَ اختصاصِهم به مع بقاءِ أصلِ الدخولِ على حاله بل هو اختصاصُ غيرِهم بالدخول كما ستعرفه بإذن الله تعالى ظهرَ أن المنفيَّ أصلُ دخولِهم ومن ضرورته أن يكون هو الذي كُلِّفوا إقامةَ البُرهانِ عليه لا اختصاصُهم به ليتّحدَ موردُ الإثباتِ والنفي وإنما عدَلَ عن ابطال ما ادَّعَوْه وسَلك هذا المسلكَ إبانةً لغاية حِرمانِهم مما علقوا به أطماعَهم واظهار لكمال عجزِهم عن إثباتِ مُدَّعاهم لأن حِرمانَهم من الاختصاص بالدخول وعجزَهم عن إقامة البرهان عليه لا يقتضيان حرمانَهم من أصل الدخولِ وعجزَهم عن إثباته وأما نفسُ الدخولِ فحيث ثبت حِرمانُهم منه وعجزُهم عن إثباته فهم من الاختصاص به أبعدُ وعن إثباته أعجزُ وإنما الفائزُ به من انتظمه قوله سبحانه
{مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي أخلص نفسه له تعالى لا يشرك به شيئاً عبّر عنها بالوجه لأنه أشرف الأعضاء ومجمعُ المشاعرِ وموضعُ السجود ومظهَرُ آثارِ الخضوعِ الذي هو من أخص خصائِص الإخلاص أو توجّهُه وقصدُه بحبث لا يلوي عزيمتَه إلى شيءٍ غيره
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} حال من ضمير أسلم أي والحالُ أنه مُحسنٌ في جميع أعمالِه التي من جملتها الإسلامُ المذكورُ وحقيقةُ الإحسانِ الإتيانُ بالعمل على الوجه اللائقِ وهو حُسنُه الوصفيُّ التابعُ لحسنه الذاتي وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقولِه أنْ تعبدَ الله كأنَّك تراهُ فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّه يراكَ
{فله أجره} الذي وعده له على عمله وهو عبارةٌ عن دخول الجنة أو عما يدخُلُ هو فيه دخولاً أوليا واياما كان فتصويرُه بصورة الأجرِ للإيذان بقوة ارتباطِه بالعمل واستحالةِ نيلِه بدونه وقوله تعالى
{عِندَ رَبّهِ} حالٌ من أجره والعاملُ فيه معنى الاستقرارِ في الظرف والعِنديةُ للتشريف ووضعُ اسمِ الربِّ مُضافاً إلى ضمير من أسلم موضعَ ضميرِ الجلالة لإظهار مزيدِ اللُطفِ به وتقريرِ مضمونِ الجملة أي فله أجره