{وَلَمَّا جَاء موسى لميقاتنا} لوقتنا الذي وقتنا واللامُ للاختصاص أي اختَصَّ مجيئُه بميقاتنا {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} من غير واسطةٍ كما يكلِّمُ الملائكةَ عليهم السَّلامُ وفيما روي أنه عليه الصلاةُ والسلام كان يسمع ذلك من كل جهةٍ تنبيهٌ على أن سماع كلامه عزَّ وجلَّ ليس من جنس سماعِ كلام المحدّثين {قَالَ رَبّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} أي أرني ذاتك بأن تمكنني من رؤيتك أو تتجلى لي فأنظرَ إليك وأراك وهو دليلٌ على أن رؤيتَه تعالى جائزةٌ في الجملة لما أن طلبَ المستحيلِ مستحيلٌ من الأنبياء لا سيما ما يقتضي الجهل بشئون الله تعالى ولذلك رده بقوله تعالى لن تراني دون لن أرى ولن أُرِيَك ولن تنظُرَ إليّ تنبيهاً على أنه قاصرٌ عن رؤيته لتوقفها على معد في الرائي ولم يوجد فيه ذلك بعد وجعل الؤال لتبكيت قومِه الذين قالوا أرنا الله جهرةً خطأٌ إذ لو كانت الرؤيةُ ممتنعةً لوجب أن يُجهِّلَهم ويُزيحَ شبهتَهم كما فعل ذلك حين قالوا اجعل لَّنَا إلها وأن لا يتبعَ سبيلَهم كما قال لأخيه ولا تتبعْ سبيلَ المفسدين والاستدلالُ بالجواب على استحالتها أشدُّ خطأً إذ لا يدل الإخبارُ بعدم رؤيتِه إياه على أنه لا يراه ابدا وأن لا يراه غيرُه أصلاً فضلاً عن أن يدل على استحالتها ودعوى الضرورةِ مكابرة أو جهل لحقيقة الرؤية {قَالَ} استئنافٌ مبني على سؤالٍ نشأَ من الكلامِ كأنَّه قيلَ فماذَا قالَ ربُّ العزة حين قال موسى عليه السلام ما قل فقيل قال {لَن تَرَانِى ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى} استدراكٌ لبيان أنه لا يُطيق بها وفي تعليقها باستقرار الجيل أيضاً دليلٌ على الجواز ضرورةَ أن المعلَّق بالممكن ممكنٌ والجبلُ قيل هو جبل أردن {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أي ظهرت له عظمتُه وتصدّى له اقتدارُه وأمرُه وقيل أُعطي الجبلُ حياةً ورؤيةً حتى رآه {جَعَلَهُ دَكّا} مدكوكاً مُفتّتاً والدكُّ والدقُّ أخَوَان كالشك والشق