{الحمد للَّهِ} تعليقُ الحمدِ المعرَّفِ بلام الحقيقة أولاً باسم الذات الذي عليه يدور كافةُ ما يوجبه من صفات الكمال وإليه يؤُول جميعُ نعوتِ الجلال والجمال للإيذان بأنه عز وجل هو المستحِقُّ له بذاته لما مر من اقاتضاء اختصاصِ الحقيقة به سبحانه لاقتصار جميعِ أفرادِها عليه بالطريق البرهاني ووصفه تعالى ثانياً بما يُنْبىء عن تفصيل بعض موجِباته المنتظمةِ في سلك الإجمالِ من عظائم الآثارِ وجلائلِ الأفعال من قولهِ عزَّ وجلَّ {الذي خلق السماوات والارض} للتنبيه على استحقاقه تعالى لهواستقلاله به باعتبار أفعاله العظائم وآلائِه الجِسام أيضاً وتخصيصُ خلقِهما بالذكر لاشتمالهما على جملة الآثار العُلوية والسُفلية وعامةِ الآلاءِ الجليةِ والخفية التي أجلُها نعمةُ الوجودِ الكافية في إيجاب حمدِه تعالى على كل موجود فكيف بما يتفرَّع عليها من فنون النعم الأنفسية والآفاقية المنوطِ بها مصالحُ العبادِ في المعاش والمعادِ أي أنشأهما على ما هما عليه من النّمط الفائِق والطراز الرائق منطويَتَيْن من أنواع البدائعِ وأصنافِ الروائع على ما تتحيَّر فيه العقولُ والأفكار من تعاجيب العبر والآثار تبصرةً وذكرى لأولي الأبصار وجمعُ السموات لظهور تعدّدِ طبقاتِها واختلاف آثارها وحركاتِها وتقديمُها لشرفها وعلوِّ مكانها وتقدُّمها وجوداً على الأرض كما هي {وَجَعَلَ الظلمات والنور} عطْفٌ على خَلَق مترتب عليه لكون جعلهما مسبوقاً بخلق مَنْشَئِهما ومحلِّهما داخلٌ معه في حكم الإشعار بعِلَّة الحمد فكما أن خلق السموات والأرض وما بينهما لكونه أثراً عظيماً ونعمةً جليلة موجبٌ لاختصاص الحمد بخالقهما جل وعلا كذلك جعلُ الظلماتِ والنور لكونه أمراً خطيراً ونعمةً عظيمةً مقتضٍ لاختصاصه بجاعلهما والجمل هو الإنشاءُ والإبداعِ كالخلقِ خَلا أن ذلك مختصٌّ بالإنشاءِ التكوينيِّ وفيه مَعنى التقديرِ والتسويةِ وهذا عامٌّ له كَما في الآيةِ الكريمةِ وللتشريعيِّ أيضاً كما في قوله تعالى مَا جَعَلَ الله مِن بحيرة الاية وأما ما كان فهو إنباءٌ عن ملابسةِ مفعولِه بشيءٍ آخر بأن بكون فيهِ أولَهُ أوْ مِنْهُ أو نحوُ ذلكَ ملابسةً نصححة لأنْ يتوسَّطَ بينهُمَا شيءٌ من الظروفِ لغواً كانَ أو مستقراً لكنْ لا على أنْ يكونَ عُمدةً في الكلامِ بل قيداً فيهِ كما في قوله عز وجل وجعهل بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وقولُه تعالَى وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وقولِه تعالى واجعل لَّنَا مِن لدنك وليا