{وَعَلَى الثلاثة الذين خُلّفُواْ} أي وتاب الله على الثلاثة الذين أُخِّر أمرُهم عن أمر أبي لُبابةَ وأصحابِه حيث لم يقبَلْ معذرتَهم مثلَ أولئك ولا رُدَّتْ ولم يُقطَعْ في شأنهم بشيء إلى أن نزل فيهم الوحيُ وهم كعبُ بنُ مالكٍ وهلالُ بنُ أميةَ ومَرارةُ بنُ الربيع وقرئ خَلَّفوا أي خلَّفوا الغازين بالمدينة أو فسَدوا من الخالفة وخلوف الفم وقرئ على المخلّفين والأولُ هو الأنسبُ لأن قوله تعالى
{حتى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارض} غايةٌ للتخليف ولا يناسبُه إلا المعنى الأولُ أي خُلّفوا وأخّر أمرُهم إلى أن ضاقت عليهم الارضُ
{بما رَحُبتْ} أي برُحبها وسَعتِها لإعراض الناسِ عنهم وانقطاعِهم عن مفاوضتهم وهو مثلٌ لشدة الحَيْرة كأنه لا يستقِرُّ به قرارٌ ولا تطمئن له دار
{وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} أي إذا رجَعوا إلى أنفسهم لا يطمئنّون بشيء لعدم الأنسِ والسرورِ واستيلاءِ الوحشة والحَيْرة
{وَظَنُّواْ أَن لَاّ مَلْجَأَ مِنَ الله إِلَاّ إِلَيْهِ} أي علِموا أنه لا ملجأَ من سُخطه تعالى إلا إلى استغفاره
{ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ} أي وفقّهم للتوبة
{لِيَتُوبُواْ} أو أنزل قَبولَ توبتِهم ليصيروا من جملة التوّابين ورجع عليهم بالقَبول والرَّحمة مرةً بعد أخرى ليستقيموا على توبتهم
{إِنَّ الله هُوَ التواب} المبالغُ في قَبول التوبةِ كمّاً وكيفاً وإن كثُرت الجناياتُ وعظمُت
{الرحيم} المتفضل عليهم بفنون الآلاءِ مع استحقاقهم لأفانينِ العقاب رُوي إنَّ ناساً من المؤمنينَ تخلفُوا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم منهم مَنُ بدا له وكره مكانه فلحِق به صلى الله عليه وسلم عن الحسن رضيَ الله عنه أنَّه قال بلغني أنه كان لأحدهم حائطٌ كان خيراً من مائة ألف درهم فقال يا حائطاه ما خالفني إلا ظلُّك وانتظارُ ثمارِك اذهبْ فأنت في سبيل الله ولم يكن لآخرَ إلا أهلُه فقال يا أهلاه ما بطّأني ولا خلّفني إلا الفتنُ بك فلا جرَم والله لأكابدنّ الشدائدَ حتى ألحقَ برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم فتأبط زادَه ولحِق به صلى الله عليه وسلم قال الحسن رضي الله عنه كذلك والله المؤمنُ يتوب من ذنوبه ولا يُصِرُّ عليها