{وآمنوا بِمَا أَنزَلْتُ} أفرد الإيمانَ بالقرآن بالأمر به لما أنه العُمدةُ القصوى في شأن الوفاء بالعهود
{مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ} من التوراة والتعبير عنها بذلك للإيذان بعلمهم بتصديقه لها فإن المعيةَ مِئنّةٌ لتكرر المراجعة إليها والوقوفِ على ما في تضاعيفها المؤدي إلى العلم بكونه مصدقاً لها ومعنى تصديقِه للتوراة أنه نازلٌ حسبما نُعت فيها أو من حيث إنه موافقٌ لها في القصص والمواعيد والدعوة إلى التوحيد والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وأما ما يتراءى من مخالفته لها في بعض جزئياتِ الاحكام المتفاوته بسبب تفاوتِ الأعصارِ فليست بمخالفةٍ في الحقيقة بل هي موافقة لها من حيث إن كلا منها حق بالإضافة إلى عصره وزمانِه متضمِّنٌ للحكم التي عليها يدورُ فلكُ التشريع وليس في التوراة دلالة على أبدية أحكامِها المنسوخةِ حتى يخالفَها ما ينسخها وإنما تدلُّ على مشروعيتها مُطلقاً من غيرِ تعرضٍ لبقائها وزوالها بل نقول هي ناطقةٌ بنسخ تلك الأحكام فإن نُطقها بصحة القرآن الناسخِ لها نطقٌ بنسخها فإذن مناطُ المخالفة في الأحكام المنسوخةِ إنما هو اختلافُ العصر حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال عليه السلام {لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي} وتقييدُ المُنْزَلِ بكونه مصدقاً لما معهم لتأكيدِ وجوبِ الامتثالِ بالأمرِ فإن إيمانهم بما معهم مما يقتضي الإيمانَ بما يصدِّقه قطعاً
{وَلَا تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ به} أي لاتسارعوا إلى الكفر به فإن وظيفتكم أن تكونوا أولَ من آمنَ به لما أنكم تعرِفون شأنَه وحقِّيتَه بطريق التلقي مما معكم من الكتُب الإلهيةِ كما تعرِفون أبناءكم وقد كنتم تستفتحون به وتبشرون