للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

{يا أيها النبى إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء} تخصيصُ النداءِ بهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ مع عُمومِ الخطابِ لأمتِهِ أيضاً لتشريفه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ وإظهارِ جلالةِ منصبِهِ وتحقيقِ أنَّه المخاطبُ حقيقةً ودخولِهِم في الخطابِ بطريقِ استتباعِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ إيَّاهُم وتغليبِهِ عليهِم لَا لأنَّ نداءَهُ كندائهم فإذ ذلكَ الاعتبارَ لو كانَ في حيزِ الرعايةِ لكانَ الخطابُ هو الأحقَّ بهِ لشمولِ حُكمهِ للكلِّ قطعاً والمَعْنَى إذا أردتُم تطليقهنَّ وعزمتُم عليهِ كما في قولِهِ تعالَى إِذَا قُمتُم إِلَى الصلاة {فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} أي مستقبلاتٍ لها كقولكَ أتيته ليلة خلتْ من شهرِ كَذَا فإن المرأةَ إذا طُلقَتْ في طُهرٍ يعقبُهُ القُرْءُ الأولُ من أقرائِهَا فقد طُلقَتْ مستقبلةً لعدتِهَا والمرادُ أن يطلقن فيطهر لم يقعْ فيهِ جماعٌ ثم يُخلَّينَ حتى تنقضيَ عدتها وهَذا أحسنُ الطلاقِ وأدخلُهُ في السنةِ {وَأَحْصُواْ العدة} واضبِطُوها وأكملوها ثلاثةَ أقراءٍ كواملَ {واتقوا الله رَبَّكُمْ} في تطويل العدة عليهم والإضرارِ بهنَّ وفي وصفِهِ تعالى بربويته لهم تأكيدٌ للأمر ومبالغةٌ في إيجابِ الاتقاءِ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} من مساكنِهِنَّ عندَ الفراقِ إلى أنْ تنقضيَ عِدتُهُنَّ وإضافتُهَا إليهنَّ وهيَ لأزواجهنَّ لتأكيدِ النَّهيِ ببيانِ كمالِ استحقاقهِنَّ لسُكنَاهَا كأنها أملاكهُنَّ {وَلَا يَخْرُجْنَ} ولو بإذنٍ منكُم فإنَّ الإذنَ بالخروجِ في حُكمِ الإخراجِ وقيلَ المَعْنَى لا يخرجنَّ باستبدادٍ منهنَّ أما إذَا اتفقَا على الخروجِ جازَ إذِ الحقُّ لا يعدوهُمَا {إِلَاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ} استثناءٌ من الأولِ قيلَ هيَ الزنا فيخرجنَ لإقامة الحدِّ عليهنَّ وقيلَ إلا أنْ يبذُونَ على الأزواجِ فيحلُّ حينئذٍ إخراجهُنَّ ويؤيدُهُ قراءةُ إلا أنْ يُفْحِشْن عليكُم أو من الثانِي للمبالغةِ في النَّهيِ عن الخروجِ ببيانِ أنَّ خروجَهَا فاحشةٌ {تِلْكَ} إشارة إلى ما ذكر من الأحكامِ وما في إسمِ الإشارةِ من مَعْنَى البعد مع قُرب العهدِ بالمُشار إليه للإيذان بعلو درجتها وبعدمنزلتها {حُدُودَ الله} التي عيَّنَهَا لعباده {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} أي حدودَهُ المذكورةَ بأن أخل بشيءٍ منها على أنَّ الإظهارَ في حيزِ الإضمارِ لتهويلِ أمرِ التعدِّي والإشعارِ بعلةِ الحكمِ في قولِهِ تعالَى {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} اى اضربها وتفسيرُ الظلمِ بتعريضِهَا للعقابِ يأباهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>