{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ لَا تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} لما نُهوا فيما سلف عن الإشراك به تعالى نهوا ههنا عَمَّا يؤدَّي إليهِ منَ حيث لايحتسبون فإنه روى أن عبدَ الرحمن بنُ عوف رضى الله عنه صنع طعاماً وشراباً حين كانت الخمرُ مباحةً فدعا نفرا منَ الصحابةِ رضيَ الله عنهم فأكلوا وشربوا حتى ثمِلوا وجاء وقتُ صلاةِ المغربِ فتقدم أحدهمليصلى بهم فقرأ أعبُدُ ما تعبدون فنزلت وتصديرُ الكلامِ بحر في النداءِ والتنبيهِ للمبالغة في حملهم على العمل بموجب النهيُ عن قُربان المساجدِ لقوله عليه السلام جنِّبوا مساجدَكم صِبيانَكم ومجانينَكم ويأباه قوله تعالى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ فالمعنى لا تُقيموها في حالة السُكرِ حتى تعلموا قبل الشروعِ ما تقولونه إذْ بتلك التجرِبةِ يظهر أنهم يعلمون ما سيقرءونه في الصلاة وحملُ ما تقولون على ما في الصلاة يستدعي تقدُّمَ الشروعِ فيها على غاية النهي وحملُ العلمِ على ما بالقوة على معنى حتى تكونوا بحيث تعلمون ما ستقرءون في الصلاة تطويلٌ بلا طائل لأن تلك الحيثيةِ إنما تظهرُ بما ذُكر من التجربة على إيثارَ ما تقولون على ما تقرءون حينئذ يكون عارياً عن الداعي وقيل المرادُ بالسكر سُكرُ النعاسِ وغلبةُ النوم وأيا ما كان فليس مرجِعُ النهي هو المقيدُ مع كأنه قيل يأيها الذين آمنوا لاتسكروا في أوقات الصلاة وقد روي أنهم كانوا بعد مانزلت الآيةُ لا يشربون الخمرَ في أوقات الصلاة فإذا صلَّوُا العِشاءَ شرِبوها فلا يُصْبحون إلا وقد ذهب عنهم السكرُ وعلموا ما يقولون {وَلَا جُنُباً} عطفٌ على قوله تعالى وَأَنتُمْ سكارى فإنه في حيز النصب كأنه قيل لاتقربوا الصلاةَ سكارى ولا جنباً والجنبُ من أصابه الجنابةُ يستوي فيه المذكرُ والمؤنثُ والواحدُ والجمع لجَرَيانه مجرى المصدر
{إِلَاّ عَابِرِى سبِيلِ} استثناء مفرغ من أعم الأحوالِ محلُّه النصبُ على أنَّهُ حال من ضمير لاتقربوا باعتبار تقيُّدِه بالحال الثانيةِ دون الأولى والعاملُ فيه فعلُ النهي أي لا تقربوا الصلاةَ جُنباً في حال من الحوال إلا حالَ كونِكم مسافرين على معنى أن في حالة السفرِ ينتهي حكمُ النهي لكن لا بطريق شمولِ النفْي لجميع صورِها بل بطريق نفي الشمول في الجلمة من غير دلالة على انتفاء خصوصيةِ البعضِ المنتفي ولا على بقاء خصوصيةِ