{أفترى عَلَى الله كَذِباً} فيما قاله {أَم بِهِ جِنَّةٌ} أي جنونٌ يوهمه ذلك ويُلقيه على لسانِه والاستدلالُ بهذا التَّرديدِ على أنَّ بين الصِّدقِ والكذب واسطةً هو ما لا يكون من الإخبار عن بصيرةٍ بين الفساد لظهور كون الافتراء أخصَّ من الكذبِ {بَلِ الذين لَا يُؤْمِنُونَ بالأخرة فِى العذاب والضلال البعيد} جوابٌ من جهة الله تعالى عن ترديدِهم الوارد على طريقةِ الاستفهامِ بالإضرابِ عن شقَّيهِ وإبطالها وإثباتِ قسمٍ ثالثٍ كاشفٍ عن حقيقةِ الحال ناعٍ عليهم سوءَ حالهم وابتلاءهم بما قالُوا في حقِّه صلى الله عليه وسلم كأنه قيل ليس الأمرُ كما زعمُوا بل هم في كمال اختلال العقل وغاية الضَّلالِ عن الفهم والإدراك الذي هو الجنون حقيقةً وفيما يؤدِّي إليه ذلك من العذابِ ولذلك يقولونَ ما يقولونَ وتقديمُ العذاب على ما يُوجبه ويستتبعه للمسارعةِ إلى بيانِ ما يسوؤُهم ويفتُّ في أعضادِهم والإشعارِ بغاية سُرعة ترتُّبِه عليه كأنَّه يُسابقه فيسبقه ووصفُ الضَّلالِ بالبُعد الذي هو وصف الضَّالِ للمبالغة ووضعُ الموصولِ موضعَ ضميرهم للتنبيهِ بما في حيزِ الصلة على أن علة ما ارتكبوه واجترءوا عليه من الشَّناعةِ الفظيعةِ كفرُهم بالآخرة وَمَا فِيْهَا منْ فنونِ العقاب ولولاه لما فعلُوا ذلك خوفاً من غائلتِه وقوله تعالى