{ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} كلامٌ مستأنَفٌ جيءَ به إثرَ تحقيقِ حقِّيةِ البعث وإقامةِ البُرهان عليه من العالَمينِ الإنسانيِّ والنباتيِّ لبيانِ أنَّ ذلك من آثارِ أُلوهيتِه تعالى وأحكامِ شئونه الذَّاتيةِ والوصفيةِ والفعليةِ وأنَّ ما ينكرون وجودَه بل إمكانه من إتيانِ السَّاعةِ والبعثِ من أسبابِ تلك الآثارِ العجيبةِ التي يُشاهدونها في الأنفس والآفاقِ ومبادي صدورِها عنه تعالى وفيه من الإيذن بقوة الدليل وأصله المدلول في التحقيق وإظهار بطلان إنكاره مالا يخفى فإنَّ إنكارَ تحقُّق السبب مع الجزم بتحقيق المُسبَّبِ ممَّا يَقْضي ببُطلانِه بديهةُ العقولِ والمرادُ بالحقِّ هو الثَّابتُ الذي يحِق ثبوتُه لا محالة لكونِه لذاتِه لا الثَّابتُ مطلقاً وَذَلِكَ إشارةٌ إلى ما ذُكر من خلقِ الإنسانِ على أطوارٍ مختلفةٍ وتصريفِه في أحوالٍ مُتباينةٍ وإحياءِ الأراض بعد موتِها وما فيه من معنى البُعد للإيذان ببُعد منزلتِه في الكمالِ وهومبتدأ خبرُه الجارُّ والمجرورُ أي ذلك الصُّنعُ البديع حاصلٌ بسبب أنَّه تعالى هو الحقُّ وحده في ذاتِه وصفاتِه وأفعالِه المحقِّقُ لما سواه من الأشياءِ {وَأنَهُ يحيي الموتى} أي شأنُه وعادته إحياؤُها وحاصلُه أنَّه تعالى قادر على إحيائها بدء وإعادةً وإلَاّ لما أحيا النطقة والأرضَ الميتةَ مراراً بعد مراروما تُفيده صيغةُ المضارعِ من التجدد إنما هوبإعتبار تعلق القدرة ومتعلها لا باعتبارِ نفسِها {وَأَنَّهُ على كل شىء قدير} أي مبالغٌ في القُدرةِ وإلَاّ لما أوجد هذه الموجودات القائتة للحصرِ التي من جُملتها ما ذُكر وأمَّا الاستدلالُ على ذلك بأنَّ قدرته تعالى لذاتِه الذي نسبته إلى الكلِّ سواءٌ فلمَّا دلَّتِ المشاهدةُ على قدرتِه على إحياءِ بعض الأمواتِ لزم اقتدارُه على إحياءِ كلها فمنشأة الغفول عما سيق له النَّظمُ الكريمُ من بيانِ كون الآثار الخاتمة المذكورةِ من فروعِ القُدرةِ العامة اللامة ومسبَّباتِها وتخصيصُ إحياءِ الموتى بالذكر مع كونه من جُملةِ الأشياءِ المقدُورِ عليها للتَّصريحِ بما فيه النِّزاعُ والدفع في نحور المنكرينَ وتقديمُه لإبرازِ الاعتناءِ به