{ذلك} إشارة إلى ما أصابهم من العقاب وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجته في الشدة والفظاعةِ والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يليق بالخطاب ومحلُّه الرفعُ على الابتداء وخبرُه قوله تعالى
{بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} أي ذلك العقابُ الفظيعُ واقعٌ عليهم بسبب مُشاقّتِهم ومغالبتِهم مَنْ لا سبيلَ إلى مغالبته أصلاً واشتقاقُ المشاقةِ من الشِّق لِما أنَّ كُلاًّ من المشاقين في شق خلاف شِقّ الآخر كما أن اشتقاقَ المُعاداةِ والمُخاصمة من العَدْوة والخَصْم أي الجانب لأن كلاًّ من المتعاديَيْن والمتخاصمَين في عَدوةٍ وخصمٍ غيرِ عدوةِ الآخر وخصمِه
{وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ} الإظهار في موضع الإضمار لتربية المهابةِ وإظهار كمالِ شناعة ما اجترءوا عليه والإشعارِ بعلة الحُكم وقولُه تعالى
{فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} إمَّا نفسُ الجزاءِ قد حُذف منه العائدُ إلى مَنْ عندِ منْ يلتزمُهُ أي شديدُ العقابِ له أو تعليلٌ للجزاءِ المحذوفِ أي يعاقبْه الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقابِ وأيَّاً مَا كانَ فالشرطيةُ تكملةٌ لما قبلها وتقريرٌ لمضمونِهِ وتحقيقٌ للسببيةِ بالطريقِ البرهانيِّ كأنه قيل ذلك العقابُ الشديد بسببِ مشاقّتِهم لله تعالى ورسولِه وكلُّ من يشاقق الله ورسولَه كائناً مَنْ كان فلهُ بسببِ ذلكَ عقابٌ شديدٌ فإذن لهم بسبب مشاقّتِهم لهما عقابٌ شديد وأما أنه وعيدٌ لهم بما أَعدَّ لَهُم في الآخرةِ بعد ما حاقَ بهم في الدُّنيا كما قيل فيرده ما بعدَهُ منْ قولِه تعالى