{مِن دُونِهِ} أي من إشراككم مِن دُونِ الله أي من غير أن ينزِّل به سلطاناً كما قال في سورة الأعراف أتجادلونني في أسماء سميتوها أنتم وآباؤكم مَّا أَنزَلَ الله بِهَا من سلطان أو مما تشركونه من آلهة غيرِ الله أجاب به عن مقالتهم الحمقاءِ المبنيةِ على اعتقاد كونِ آلهتِهم مما يضُرُّ أو ينفع وأنها بمعزل من ذلك ولما كان ما وقع أولاً عنه عليه الصلاة والسلام في حق آلهتِهم من كونها بمعزل عن الألوهية إنما وقع في ضمن الأمرِ بعبادة الله تعالى واختصاصِه بها وقد شق عليهم ذلك وعدّوه مما يورِث شيْناً حتى زعَموا أنها تصيبه عليه الصلاة والسلام بسوء مجازاةٍ لصنيعه معها صرح عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بالحقِّ وصدَع به حيث أُخبر ببراءته القديمةِ عنها بالجملة الاسميةِ المصدّرةِ بإنّ وأَشهد الله على ذلك وأمرهم بأن يسمعوا ذلك ويشهدوا به استهانةً بهم ثم أمرهم بالاجتماع والاحتشادِ مع آلهتم جميعاً دون بعضٍ منها حسبما يُشعر به قولُهم بعضُ آلهتنا والتعاونِ في أيصال الكيد إليه عليه الصلاة والسلام ونهاهم عن الإنظار والإمهالِ في ذلك فقال
{فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنظرون} أي إن صح ما لوحتم به من كون آلهتِكم مما يقدِر على إضرار مَنْ ينال منها ويصُدّ عن عبادتها ولو بطريق ضِمنيَ فإني بريءٌ منها فكونوا أنتم معها جميعاً وباشروا كيدي ثم لا تُمهلوني ولا تسامحوني في ذلك فالفاءُ لتفريع الأمرِ على زعمهم في قدرة آلهتِهم على ما قالوا وعلى البراءة كليهما وهذا من أعظم المعجزاتِ فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان رجلاً مفْرَداً بين الجمِّ الغفير والجمعِ الكثير من عُتاة عادٍ الغلاظِ الشِّدادِ وقد خاطبهم بما خاطبهم وحقّرهم وآلهتَهم وهيَّجهم على مباشرة مبادى المضادة والمضارة وحثّهم على التصدِّي لأسباب المُعازّة والمعارّة فلم يقدروا على مباشرة شيءٍ مما كلفوه وظهر عجزُهم عن ذلك ظهوراً بيناً كيف لا وقد التجأ إلى ركن منيعٍ رفيعٍ واعتصم بحبل متينٍ حيث قال