٦ - {يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ} شروعٌ في بيان الشرائع المتعلقةِ بدِينهم بعد بيانِ ما يتعلقُ بدنياهم {إِذَا قُمتُم إِلَى الصلاة} أي أردتم القيامَ إليها كما في قوله تعالى فَإِذَا قرات القران فاستعذ بالله عبر عن إرادة الفعل بالفعل المسبَّبِ عنها مَجازاً للإيجاز والتنبيهِ على أنَّ منْ أراد الصلاةَ حقُّه أن يبادِرَ إليها بحيث لا ينفك عن إرادتها أو إذا قصدتم الصلاةَ إطلاقاً لاسمِ أحدِ لازميها على لازمِها الآخَرِ وظاهرُ الآية الكريمةِ يوجبُ الوضوءَ على كل قائمٍ إليها وإن لم يكنْ محدِثاً لما أن الأمرَ للوجوب قطعاً والإجماعُ على خلافِه وقد رُويَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلى الصلواتِ الخمسَ يومَ الفتح بوُضوءٍ واحد فقال عمرُ رضي الله تعالى عنه صنعتَ شيئاً لم تكن تصنعه فقال عليه الصلاة والسلام عمداً فعلتُه يا عمر يعني بياناً للجواز وحُمل الأمرُ بالنسبة إلى غيرِ المحدثِ على الندب مما لا مَساغَ له فالوجهُ أن الخِطابَ خاصٌّ بالمُحْدِثين بقرينةِ دَلالةِ الحال واشتراطِ الحدَثِ في التيمم الذي هو بدلُه وما نُقل عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم والخلفاء من أنهم كانوا يتوضّؤون لكل صلاةٍ فلا دلالةَ فيه على أنهم كانوا يفعلونه بطريق الوجوبِ أصلاً كيف لا وما رُوي عنْهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلام من قوله من توضَّأ على طُهْرٍ كتبَ الله له عشرَ حسنات صريحٌ في أن ذلك كان منهم بطريق الندب وما قيل كان ذلك أولَ الأمرِ ثم نُسخ يردُّه قوله عليه الصلاة والسلام المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} أي أمِرُّوا عليها الماء ولا حاجةَ إلى الدلك خلافاً لمالك {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} الجمهورُ على دخول المِرْفَقَين في المغسول ولذلك قيل إلى بمعنى مَعَ كما في قوله تعالى وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وقيل هي إنما تُفيد معنى الغاية مطلقاً وأما دخولُها في الحُكْم أو خروجُها منه فلا دلالة لها عليه وإنما هو أمرٌ يدور على الدليلِ الخارجي كما في حفظة القرآنَ من أولِه إلى آخِرِه وقوله تعالى فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ فإن الدخولَ في الأول والخروجَ في الثاني مُتيقَّنٌ بناءً على تحقُّق الدليل وحيث لم يتحققْ ذلك في الآية وكانت الأيدي متناوِلةً للمرافِقِ حُكِمَ بدخولها فيها احتياطاً وقيل إلى من حيث إفادتُها للغاية تقتضي خروجَها لكن لما لم تتميَّزِ الغاية همنا عن ذي الغايةِ وجبَ ادخالها احتياطا {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} الباءُ مزيدةٌ وقيل للتبعيض فإنه الفارقُ بين قولِك مسَحْتُ المِنْديلَ ومسحتُ بالمنديل وتحقيقُه أنها تدل على تضمينِ الفعل معنى الإلصاق فكأنه قيل وألصِقوا المسحَ برؤوسِكم وذلك لا يقتضي الاستيعابَ كما يقتضيه ما لو قيل وامسحُوا رؤوسَكم فإنه كقوله تعالى فاغسلوا وُجُوهَكُمْ واختلف العلماء في القدر الواجب فأوجب الشافعيُّ أقلَّ ما ينطلِقُ عليه الاسمُ أخذاً باليقين وأبو حنيفةَ ببيانِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مسح على ناصيته وقدرها