{جَعَلَ الله الكعبة} قال مجاهد سميت كعبها لكونها مُكَعبّةً مُربَّعة وقيل لانفرادها من البناء وقيل لارتفاعها من الأرض ونتوئها وقوله تعالى {البيت الحرام} عطفُ بيانٍ على جهة المدح دون التوضيح كما تجىء الصفة وقيل مفعولٌ ثانٍ لجعل وقوله تعالى {قِيَاماً لّلنَّاسِ} نُصبَ على الحال ويرده عطف ما بعده على المفعول الأول كما سيجيء بل هذا هو المفعول الثاني وقيل الجعلُ بمعنى الإنشاءِ والخلق وهو حال كما مر ومعنى كونه قياماً لهم أنه مدارٌ لقيام أمر دينهم ودنياهم إذ هو سببٌ لانتعاشهم في أمور معاشِهم ومَعادِهم يلوذ به الخائفُ ويأمَن فيه الضعيف ويربح فيه التجار ويتوجه إليه الحجاج والعُمّار وقرىء قِيَماً على أنه مصدر على وزن شِبَع أُعلَّ عينه بما أُعلَّ في فعله {والشهر الحرام} أي الذي يؤدى فيه الحجُ وهو ذو الحجة وقيل جنس الشهر الحرام وهو وما بعده عطف على الكعبة فالمفعول الثاني محذوف ثقةً بما مر أي وجعل الشهر الحرام {والهدى والقلائد} أيضاً قياماً لهم والمرادُ بالقلائد ذواتُ القلائد وهي البُدْنُ خُصّت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر وبهاءَ الحجَّ بها أظهر {ذلك} إشارة إلى الجعل المذكور خاصة أو مع ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الإحرام وغيره ومحلُّه النصبُ بفعل مقدر يدل عليه السياق وهو العامل في اللام بعده أي شرَعَ ذلك {لِتَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السماوات وَمَا فِي الارض} فإن تشريع هذه الشرائعِ المستَتْبِعةِ لدفع المضارِّ الدينية والدنيوية قبل وقوعها وجلبِ المنافع الأولوية والأخروية من أوضحِ الدلائلِ على حكمة الشارع وعدمِ خروجِ شيء عن علمه المحيط وقوله تعالى {وَأَنَّ الله بِكُلّ شَىْء عَلِيمٌ}