{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ} الضمير المرفوع للمذكورين والمجرورُ للقرآن أي لا يقنعون بما ذكر من تكذيبه وعدِّه من قبيل الأساطير بل ينهَوْن الناسَ عن استماعه لئلا يقِفوا على حقّيته فيؤمنوا به {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} أي يتباعدون عنه بأنفسهم إظهاراً لغاية نفورهم عنه وتأكيداً لنهيهم عنه فإن اجتنابَ الناهي عن المنهيِّ عنه من متمّمات النهْي ولعل ذلك هو السرُّ في تأخير النأْي عن النهْي وقيل الضميرُ المجرور للنبي صلى الله عليه وسلم وقيل المرفوعُ لأبي طالب ولعل جمعيته باعتبار استتباعه لأتباعه فإنه كان ينهى قريشاً عن التعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وينآى عنه فلا يؤمن به وروي أنهم اجتمعوا إليه وأرادوا برسولِ الله صلَّى الله عليه وسلم سوءاً فقال ... والله لن يَصِلوا إليك بجمعِهم حتى أُوسَّدَ في التراب دفينا ... فاصدَعْ بأمرك ما عليك غضاضة وابشُرْ بذاك وقَرَّ منه عيونا ... ودعوتني وزعمتَ أنك ناصحي ولقد صدقت وكنت ثَمَّ أمينا ... وعرضتَ ديناً لا محالةَ إنه من خيرِ أديان البرية دينا ... لولا الملامةُ أو حِذاري سُبّة لوجدتني سَمْحاً بذاك مبينا فنزلت {وَإِن يُهْلِكُونَ} أي ما يهلكون بما فعلوا من النهي والنأي {إِلَاّ أَنفُسُهُمْ} بتعريضها لأشد العذاب وأفظعِه عاجلاً وآجلاً وهو عذابُ الضلال والإضلال وقوله تعالى {وَمَا يَشْعُرُونَ} حال من ضمير يُهلكون أي يقصُرون الإهلاكَ على أنفسهم والحالُ أنهم ما يشعُرون أي لا بإهلاكهم أنفسَهم ولا باقتصار ذلك عليها من غير أن يُضِروا بذلك شيئاً من القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وإنما عبّر عنه بالإهلاك مع أن المنفي عن غيرهم مطلقُ الضرر إذ غعاية ما يؤدي إليه ما فعلوا من القدح في القرآن الكريم الممانعةُ في تمشّي أحكامِه وظهورِ أمر الدين للإيذان بأن ما يَحيق بهم هو الهلاكُ لا الضررُ المطلقُ على أن مقصِدهم لم يكن مطلق الممانعة فيما ذُكر بل كانوا يبغون الغوائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويجوز أن يكون الإهلاكُ معتبراً بالنسبة إلى الذين يُضِلونهم بالنهي فقصْرُه على أنسهم حينئذ مع شموله للفريقين مبنيٌّ على تنزيلِ عذاب الضلال عند عذاب افضلال منزلةَ العدم