{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ} رجوع إلى بيان تتمةِ الأحكامِ السَّابقةِ بعد تمهيدِ ما يُوجب الامتثالَ بالأوامر والنَّواهي الواردة فيها وفي الأحكام اللَاّحقةِ من التمثيلات والتَّرغيبِ والتَّرهيبِ والوعدِ والوعيدِ والخطابُ إمَّا للرِّجالِ خاصَّةً وللنساء داخلاتٌ في الحكم بدلالة النَّصِّ أو للفريقينِ جميعاً بطريقِ التَّغليبِ رُوي أنَّ غلام الأسماء بنتِ أبي مَرْثَدٍ دخل عليها في وقتٍ كرهتْهُ فنزلتْ وقيلَ أرسلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِدْلَجَ بنَ عمروٍ الأنصاريَّ وكانَ غُلاماً وقتَ الظَّهيرةِ ليدعو عمر رضي الله عنه فدخلَ عليه وهو نائمٌ قد انكشفَ عنه ثوبُه فقال عمرُ رضي الله عنه لودتت أنَّ الله تعالى نَهَى آباءَنا وأبناءَنا وخدمَنا أنْ لا يدخلوا علينا هذه السَّاعاتِ إلا بإذنٍ ثمَّ انطلقَ معه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فوجدَه وقد أُنزلتْ عليه هذه الآيةُ {لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم} من العبيدِ والجَوَاري {والذين لَمْ يَبْلُغُواْ الحلم} أي الصِّبيانُ القاصرُون عن درجة البلوغِ المعهود والتَّعبيرُ عنه بالحُلُم لكونِه أظهرَ دلائلِه مّنكُمْ أي من الأحرارِ {ثَلَاثَ مَرَّاتٍ} أي ثلاثةَ أوقاتٍ في اليَّومِ واللَّيلةِ والتَّعبيرُ عنها بالمرَّات للإيذانِ بأنَّ مدارَ وجوبِ الاستئذانِ مقارنةُ تلك الأوقاتِ لمرور المستأذنينَ بالمخاطبينَ لا أنفسِها {مّن قَبْلِ صلاة الفجر} لظهورِ أنَّه وقتُ القيامِ من المضاجعِ وطرحِ ثيابِ النَّومِ ولبسِ ثيابِ اليقظةِ ومحلُّه النصبُ على أنَّه بدل من ثلاث مرات أو مرات أو الرع على أنه خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ أي أحدُها من قبل الخ {وَحِينَ تَضَعُونَ ثيابكم} أي ثيابَكم التي تلبسونَها في النَّهارِ وتخلعونَها لأجل القَيلولةِ وقوله تعالى {مّنَ الظهيرة} وهي شدَّةُ الحرِّ عند انتصافِ النَّهارِ بيان للحين والصريح الأمرِ أعني وضعَ الثِّيابِ في هذا الحينِ دُون الأوَّلِ والآخرِ لما أنَّ التَّجردَ عن الثِّيابِ فيه لأجل القيلولةِ لقلَّة زمانِها كما ينبئ عنها إيرادُ الحين مُضافاً إلى فعل حادث متقض ووقوعُها في النَّهارِ الذي هُو مَئِنَّةٌ لكثرةِ الورودِ والصُّدورِ ومَظِنَّةٌ لظهورِ الأحوالِ وبروزِ الأمورِ ليسَ من التَّحقُّقِ والاطرادِ بمنزلةِ ما في الوقتينِ المذكورينِ فإنَّ تحقُّقَ التَّجردِ واطِّرادَه فيهما أمرٌ معروفٌ لا يحتاجُ إلى التَّصريحِ به {وَمِن بَعْدِ صلاة العشاء} ضرورةَ أنَّه وقتُ التَّجردِ عن اللِّباسِ والالتحافِ باللِّحافِ وليسَ المرادُ بالقبليَّةِ والبعديَّةِ المذكورتينِ مطلقَهُما المتحقِّقَ في الوقتِ الممتدِّ المتخللِ بينَ الصَّلاتينِ كما في قوله تعالى وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغافلين وقوله تعالى مِن بَعْدِ أن نزع الشيطان بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى بل ما يعرض منهما