سورة النور ٥٩ لطرفي ذلك الوقتِ الممتدِّ المتصلين بالصَّلاتينِ المذكورتينِ اتِّصالاً عاديّاً وقولُه تعالى {ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ} خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ وقولُه تعالى {لَكُمْ} متعلِّقٌ بمحذوفٍ هو صفةٌ لثلاثُ عوراتٍ أي كائنةٌ لكم والجملة استئناف مسوق لبيان علَّةِ وجوبِ الاستئذانِ أي هنَّ ثلاثةُ أوقاتٍ يختلُّ فيها التَّستُّر عادةً والعورةُ في الأصلِ هو الخللُ غلبَ في الخللِ الواقعِ فيما يهمُّ حفظُه ويُعتنى بسترِه أُطلقتْ على الأوقاتِ المُشتملةِ عليها مبالغةً كأنَّها نفس العورة وقرئ ثلاثَ عوراتٍ بالنَّصبِ بدلاً من ثلاثَ مرَّاتٍ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ} أي على المماليكِ والصِّبيانِ جُنَاحٌ أي إثمٌ في الدُّخولِ بغيرِ استئذانٍ لعدمِ ما يُوجبه من مخالفةِ الأمرِ والاطِّلاعِ على العوراتِ {بَعْدَهُنَّ} أي بعد كلِّ واحدةٍ من تلك العوراتِ الثَّلاثِ وهي الأوقاتُ المتخلِّلةُ بين كلِّ اثنتينِ منهنَّ وإيرادُها بعُنوان البعديَّةِ مع أنَّ كلَّ وقتٍ من تلكَ الأوقاتِ قبل عورةٍ من العَورات كما أنَّها بعد أخرى منهنَّ لتوفيةِ حقِّ التَّكليفِ والتَّرخيصِ الذي هو عبارة عن رفعه إذا لرخصة إنَّما تتصور في فعل يقعُ بعد زمان وقوعِ الفعلِ المكلَّف والجملة على القراءتينِ مستأنَفة مَسوقة لتقرير ما قبلها بالطرد والكس وقد جُوِّز على القراءة الأولى كونُها في محلِّ الرفعِ على أنها صفة أخرى لثلاثُ عوراتٍ وأمَّا على القراءة الثَّانيةِ فهي مستأنفةٌ لا غير إذ لو جُعلت صفةً لثلاثُ عورات وهي بدلٌ من ثلاثَ مرَّاتٍ لكانَ التَّقديرُ ليستأذنكم هؤلاءِ في ثلاث عورات لا إثمَ في ترك الاستئذانِ بعدهنَّ وحيثُ كان انتفاءُ الإثمِ حينئذٍ ممَّا لم يعلمه السَّامعُ إلا بهذا الكلامِ لم يتسنَّ إبرازُه في معرض الصِّفةِ بخلافِ قراءة الرَّفع فإنَّ انتفاءَ الإثمِ حينئذٍ معلومٌ من صدر الكلام وقوله تعالى {طوافون عَلَيْكُمْ} استئنافٌ ببيان العذر المرخَّص في ترك الاستئذان وهي المخالطةُ الضَّروريةُ وكثرةُ المداخلةِ وفيه دليلٌ على تعليل الأحكامِ وكذا في الفرق بين الأوقات الثَّلاثةِ وبين غيرِها بكونها عَورات {بَعْضَكُمْ على بَعْضٍ} أي بعضكم طائفٌ على بعضٍ طوافاً كثيراً أو بعضُكم يطوفُ على بعضٍ {كذلك} إشارةٌ إلى مصدرِ الفعلِ الذي بعده وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من تفخيم شأنِ المشار إليه والإيذان ببعد منزلته وكونه من الوضوح بمنزلة المشار إليهِ حسّاً أي مثلَ ذلك التبيينِ {يُبيّنُ الله لكم الأيات} الدالة على الأحكامِ أي ينزلها بينةً واضحة الدلالاتِ عليها لا أنَّه تعالى يبينها بعد أن لم تكن كذلك والكافُ مقحمةٌ وقد مرَّ تفصيلُه في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أُمَّةً وسطا ولكم متعلق يبين وتقديمُهُ على المفعولِ الصريحِ لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخَّر وقيل يبين عللَ الأحكامِ وليس بواضحٍ مع أنَّه مؤدٍ إلى تخصيص الآيات بما ذكر ههنا {والله عَلِيمٌ} مبالِغٌ في العلمِ بجميع المعلوماتِ فيعلم أحوالَكم {حَكِيمٌ} في جميع أفاعيلِه فيشرع لكُم ما فيه صلاحُ أمرِكم معاشاً ومعاداً