{يَا أَيُّهَا الذينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام} بيان لحكم آخر من الأحكام الشرعية وتكريرُ النداء لإظهارِ مزيدِ الاعتناءِ والصيامُ والصومُ في اللغة الإمساك عما تنزع إليه النفسُ ومنه قوله تعالى إِنّى نَذَرْتُ للرحمن صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ الآية وقيل هو الإمساك عن الشئ مطلقاً ومنه صامت الريحُ إذا أمسكت عن الهبوب والفرسُ إذا أمسكت عن العدْو قال ... خيلٌ صيامٌ وخيلٌ غيرُ صائمة ... تحت العَجاجِ وأُخرى تعلِكُ اللُّجُما ... وفي الشريعة هو الإمساكُ نهاراً مع النية عن المفطِرات المعهودة التي هي معظمُ ما تشتهيه الأنفس
{كَمَا كُتِبَ} في حيِّز النصبِ على أنه نعت للمصدر المؤكَّد أي كتاباً كائناً كما كُتب أو على أنه حالٌ من المصدر المعْرِفة أي كتب عليكم الصيامُ الكَتْبَ مُشْبَهاً بما كُتب فما على الوجهين مصدرية أوعلى أنه نعتٌ لمصدر من لفظ الصيام أي صوماً مماثلاً للصوم المكتوبِ على مَنْ قبلَكم فما موصولةٌ أو على أنه حالٌ من الصيام أي حالَ كونِه مماثلاً لما كتِب
{عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ} من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأممِ من لدُنْ آدمَ عليهِ السلام وفيه تأكيدٌ للحكم وترغيبٌ فيه وتطييبٌ لأنفس المخاطبين به فإن الشاقَّ إذا عمّ سهُل عملُه والمرادُ بالمماثلة إما المماثلةُ في أصل الوجوب وإما في الوقت والمقدار كما يروى أن صومَ رمضانَ كان مكتوباً على اليهود والنصارى أما اليهودُ فقد تركتْه وصامَتْ يوماً من السنة زعَموا أنه يومَ غرِقَ فرعونُ وكذبوا في ذلك فإنه كان يوم عاشوراء وأما النصارى فإنهم صاموا رمضانَ حتى صادفوا حرّاً شديداً فاجتمعت آراءُ علمائهم على تعيين فصلٍ واحدٍ بين الصيف والشتاء فجعلوه في الربيع وزادوا عليه عشَرةَ أيامِ كفارةً لما صنعوا فصار أربعين ثم مرِضَ ملكُهم أو وقع فيهم موتان فزادوا عشرةَ أيامٍ فصار خمسين
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي المعاصيَ فإن الصومَ يكسِرُ الشهوةَ الداعيةَ إليها كَما قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسلام فعليه بالصوم فإن الصوم لَهُ وِجاءٌ أو تتقون الإخلالَ بأدائه لأصالته أو تصِلون بذلك إلى رتبة التقوى