{وَلَا تَفْتِنّى} أي لا توقِعْني في الفتنة وهي المعصيةُ والإثمُ يريد إني متخلِّفٌ لا محالة أذِنتَ أو لم تأذن فأذن لي حتى لا أقعَ في المعصية بالمخالفة أو لا تُلقِني في الهلكة فإني إن خرجتُ معك هلَك مالي وعيالي لعدم مَنْ يقوم بمصالحهم وقيل قال الجدُّ بنُ قيس قد علمت الأنصارُ أني مشتهرٌ بالنساء فلا تفتنّي ببنات الأصفر يعنى نساءَ الروم ولكن أُعينُك بمالي فاتركني وقرئ ولا تُفْتِنِّي من أفْتنَه بمعنى فتنه
{أَلا فِى الفتنة} أي في عينها ونفسها وأكملِ أفرادِها الغنيُّ عن الوصف بالكمال الحقيقِ باختصاص اسمِ الجنسِ به
{سَقَطُواْ} لا في شيء مُغايرٍ لها فضلاً عن أن يكونَ مهرَباً ومخلَصاً عنها وذلك بما فعلوا من العزيمة على التخلف والجراءةِ على الاستئذان بهذه الطريقة الشنيعةِ ومن القعود بالإذن المبنيِّ عليه وعلى الاعتذارات الكاذبة وقرئ بإفراد الفعلِ محافظةً على لفظ مَن وفي تصدير بحرف التنبيه مع تقديم الظرفِ إيذانٌ بأنهم وقعوا فيها وهم يحسَبون أنها مَنْجى من الفتنة زعماً منهم أن الفتنةَ إنما هي التخلفُ بغير إذن وفي التعبير عن الافتتان بالسقوط في الفتنة تنزيلٌ لها منزلةَ المَهواة المُهلِكةِ المُفصحةِ عن تردّيهم في دَركات الرَّدى أسفلَ سافلين وقوله عز وجل
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بالكافرين} وعيدٌ لهم على ما فعلوا معطوفٌ على الجملة السابقة داخلٌ تحت التنبيهِ أي جامعةٌ لهم يومَ القيامة مِن كُلّ جانب وإيثارُ الجملة الاسميةِ للدلالة على الثبات والاستمرارِ أو محيطةٌ بهم الآن تنزيلاً لشيء سيقع عن قريب منزلَة الواقعِ أو وضعاً لأسباب الشيءِ موضعَه فإن مبادئ إحاطةِ النارِ بهم من الكفر والمعاصي محيطةٌ بهم الآن من جميع الجوانبِ ومن جملتها ما فرّوا منه وما سقطوا فيه من الفتنة وقيل تلك المبادئ المتشكلةُ بصور الأعمالِ والأخلاق هي النارُ بعينها ولكن لا يظهر ذلك في هذه النشأةِ وإنما يظهر عند تشكُّلِها بصورها الحقيقيةِ في النشأة الآخرة والمرادُ بالكافرين إما المنافقون وإيثارُ وضعِ المُظْهر موضعَ المُضمَرِ للتسجيل عليهم بالكفر والإشعارِ بأنه معظمُ أسبابِ الإحاطة المذكورة وإما جميعُ الكافرين الشاملين للمنافقين شمولاً أولياً